للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكفِى فيه قولُ المُجِيزِ: أجَزْتُ ذلك. أو أنْفَذْتُه. أو نحوه من الكَلَامِ، ولا يَفْتَقِرُ إلى شُرُوطِ الهِبَةِ. ويَتَفَرَّعُ عن هذا الخِلَافِ أنَّه لو أعْتَقَ عَبْدًا لا مالَ له سِوَاهُ في مَرَضِه، أو وَصَّى بإعْتاقِه، فأعْتَقُوه بِوَصِيَّتِه، فقد نَفَذَ العِتْقُ في ثُلُثِه، ووَقَفَ عِتْقُ باقِيه على إجَازَةِ الوَرَثَةِ، فإن أجازُوه، عَتَقَ جَمِيعُه، واخْتَصَّ عَصَباتُ المَيِّتِ بوَلَائِه كلِّه، إذا قُلْنا بِصِحَّةِ إعْتاقِه وَوَصِيَّتِه. وإن قُلْنا: هي باطِلَةٌ، والإِجازَةُ عَطِيّةٌ مُبْتَدأةٌ. اخْتَصَّ عَصَباتُ المَيِّتِ بثُلُثِ وَلَائِه، وكان ثُلُثاهُ لِجَمِيعِ الوَرَثَةِ بينهم على قَدْرِ مِيرَاثِهِم؛ لأنَّهم باشَرُوه بالإِعْتاقِ. وكذلك لو تَبَرَّعَ بِثُلُثِ مالِه في مَرَضِه، ثم أعْتَقَ، أو وَصَّى بالإِعْتاقِ، فالحُكْمُ فيه على ما ذَكَرْنا. ولو أوْصَى لِابْنِ وارِثِه بعدَ تَبَرُّعِه بِثُلُثِ مالِه، أو أعْطاه عَطِيّةً في مَرَضِه، فأجازَ أبُوه وَصِيَّتَه وعَطِيَّتَه، ثم أرادَ الرُّجُوعَ فيما أجازَه، فله ذلك إن قُلْنا: هي عَطِيّةٌ مُبْتَدأةٌ. وليس له ذلك على القولِ بأنَّها إجازَةٌ مُجَرَّدَةٌ. ولو تَزَوَّجَ رَجُلٌ ابْنَةَ عَمِّه، فأوْصَتْ له بوَصِيَّةٍ أو عَطِيَّةٍ في مَرَضِ مَوْتِها، ثم ماتَتْ وخَلَّفَتْه وأباه، فأجَازَ أبُوه وَصِيَّتَه وعَطِيَّتَه، فالحُكْمُ فيه على ما ذَكَرْنا. ولو وَقَفَ في مَرَضِه على وَرَثَتِه، فأجازُوا الوَقْفَ، صَحَّ إن قُلْنا: إجَازَتُهُم تَنْفِيذٌ. ولم يَصِحَّ إن قُلْنا: هي عَطِيّةٌ مُبْتَدأةٌ. ولأنَّهم يكونُون واقِفِينَ على أنْفُسِهِم. ولا فَرْقَ في الوَصِيَّةِ بين المَرَضِ والصِّحّةِ، وقد رَوَى حَنْبَلٌ، عن أحمدَ، أنَّه قال: إن أوْصَى في المَرَضِ فهو من الثُّلُثِ، وإن كان صَحِيحًا فله أن يُوصِىَ بما شَاءَ. يعني به العَطِيّةَ. قالَه القاضي. أمَّا الوَصِيَّةُ فإنَّها عَطِيّةٌ بعد المَوْتِ، فلا يجوزُ منها إلَّا الثُّلُثُ على كلِّ حالٍ.

فصل: ولا يُعْتَبَرُ الرَّدُّ والإِجازَةُ إلَّا بعدَ مَوْتِ المُوصِى، فلو أجازُوا قبلَ ذلك، ثم رَدُّوا، أو أَذِنُوا لِمَوْرُوثِهِم في حَياتِه بالوَصِيَّةِ بجَمِيعِ المالِ، أو بالوَصِيَّةِ لبعض وَرَثَتِه، ثم بَدَا لهم فرَدُّوا بعدَ وَفَاتِه، فلهم الرَّدُّ، سواءٌ كانت الإِجازَةُ في صِحّةِ المُوصِى أو مَرَضِه. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوَايةِ أبى طالِبٍ. ورُوِى ذلك عن ابنِ مسعودٍ. وهو قول شُرَيْحٍ، وطاوُسٍ، والحَكَمِ، والثَّوْرِىِّ، والحَسَنِ بن صالِحٍ، والشافِعِىِّ، وأبى ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ، وأبى حنيفةَ، وأصْحابِه. وقال الحَسَنُ، وعَطَاءٌ، وحَمّادُ

<<  <  ج: ص:  >  >>