للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حنيفةَ وأَصْحَابُهُ. ورُوِىَ ذلك عن القاسِمِ، وسَالِمٍ. وقال عَطَاءٌ، والحَسَنُ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ: يُقْبَلُ؛ لأنَّ مَن صَحَّ الإِقْرَارُ له في الصِّحَّةِ، صَحَّ في المَرَضِ، كالأَجْنَبِىِّ. وللشَّافِعِىِّ قَوْلَانِ كالمَذْهَبَيْنِ. وقال مالِكٌ: يَصِحُّ إذا لم يُتَّهَمْ، ويَبْطُلُ إن اتُّهِمَ، كمَن له بِنْتٌ وابنُ عَمٍّ، فأقَرَّ لِابْنَتِه، لم يُقْبَلْ، وإن أقَرَّ لِابْنِ عَمِّه، قُبِلَ؛ لأنَّه لا يُتَّهَمُ في أنَّه يَزْوِى ابنتَه ويُوصِلُ المالَ إلى ابنِ عَمِّه، وعِلَّةُ مَنْعِ الإِقْرَارِ التُّهْمَةُ، فاخْتَصَّ المَنْعُ بِمَوْضِعِهَا (٢). ولَنا، أنَّه إِيصَالٌ لمالِه إلى وَارِثِه بقَوْلِه في مَرَضِ مَوْتِه، فلم يَصِحَّ بغيرِ رِضَى بَقِيَّةِ وَرَثَتِه، كَهِبَتِه، ولأنَّه مَحْجُورٌ عليه في حَقِّه، فلم يَصِحَّ إِقْرَارُه له، كالصَّبِىِّ في حَقِّ جَمِيعِ (٣) النَّاسِ. وفَارَقَ الأَجْنَبِىَّ؛ فإنَّ هِبَتَه له تَصِحُّ. وما ذَكَرَهُ مالِكٌ لا يَصِحُّ؛ فإنَّ التُّهْمَةَ لا يُمْكِنُ اعْتِبَارُها بِنَفْسِها، فوَجَبَ اعْتِبَارُها بمَظِنَّتِها وهو الإِرْثُ، وكذلك اعْتُبِرَ في الوَصِيَّةِ والتَّبَرُّعِ وغيرِهِما.

فصل: وإن أَقَرَّ لِامْرأَتِه بِمَهْرِ مِثْلِها أو دُونَه، صَحَّ في قَوْلِهِم جَمِيعًا. لا نَعْلَمُ فيه مُخَالِفًا إلَّا الشَّعْبِىَّ، قال: لا يجوزُ إقْرَارُه لها؛ لأنَّه إقْرَارٌ لِوَارِثٍ. ولَنا، أنَّه إقْرَارٌ بما تَحَقَّقَ سَبَبُهُ، وعُلِمَ وُجُودُه، ولم تُعْلَم البَرَاءَةُ منه، فأَشْبَهَ ما لو كان عليه دَيْنٌ بِبَيِّنَةٍ، فأقَرَّ بأنَّه لم يُوَفِّه. وكذلك إن اشْتَرَى من وَارِثِه شيئا، فأقَرَّ له بِثَمَنِ مِثْلِه؛ لأنَّ القَوْلَ قولُ المُقَرِّ له، في أنَّه لم يَقبِضْ ثَمَنَهُ. وإن أَقَرَّ لِامْرَأَتِه بِدَيْنٍ سِوَى الصَّدَاقِ، لم يُقْبَلْ. وإن أقَرَّ لها، ثم أبَانَها، ثم (٤) تَزَوَّجَها، وماتَ في (٥) مَرَضِه، لم يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ لها. وقال محمدُ بن الحسنِ: يُقْبَلُ؛ لأنَّها صارَتْ إلى حالٍ لا يُتَّهَمُ فيها، فأَشْبَه ما لو أقَرَّ المَرِيضُ ثم بَرَأَ. ولَنا، أنَّه إِقْرَارٌ لِوَارِثٍ في مَرَضِ المَوْتِ، أشْبَهَ ما لو لم يُبِنْها، وفارَقَ ما إذا صَحَّ من مَرَضِه؛ لأنَّه لا يكونُ مَرَضَ المَوْتِ.


= ثبت. انظر: سمط اللآلى ١/ ١٣٦، والشعر والشعراء ٢/ ٥٧٩، ٥٨٠ وحاشيتهما.
(٢) في الأصل: "بوضعها".
(٣) سقط من: الأصل، أ.
(٤) في م زيادة: "رجع".
(٥) في الأصل: "من".

<<  <  ج: ص:  >  >>