للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد سَمِعَ القاضِى ومن رَبِّى الفَهمْ

المالُ لِلشَّيْخِ جَزَاءٌ بالنّعَمْ

يَأْكُلُه بِرَغْمِ أَنْفِ مَن رَغِمْ

مَنْ قال قَوْلًا غيرَ ذا فَقَدْ ظَلَمْ

وجَارَ في الحُكْمِ وبِئْسَ ما جَرَمْ

قال الزُّبَيْرُ: إلى هذا نَذْهَبُ. ولأنَّ المالَ أحَدُ نَوْعَىِ الحُقُوقِ، فلم يَمْلِكْ مُطَالَبةَ أبِيه بها، كحُقُوقِ الأبْدانِ. ويُفَارِقُ الأبُ غيرَه، بما ثَبَتَ له من الحَقِّ على وَلَدِه. وإن ماتَ الابْنُ، فانْتَقَلَ الدَّيْنُ إلى وَرَثَتِه، لم يَمْلِكُوا مُطَالبةَ الأبِ به؛ لأنَّ مَوْرُوثَهُم لم يكنْ له المُطَالَبةُ، فهم أَوْلَى. وإن ماتَ الأبُ، رَجَعَ الابْنُ في تَرِكَتِه بِدَيْنِه؛ لأنَّ دَيْنَه لم يَسْقُطْ عن الأبِ، وإنَّما تَأَخَّرَتِ المُطَالبَةُ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ، أنَّه قال: إذا ماتَ الأبُ، بَطَلَ دَيْنُ الابْنِ. وقال في مَن أخَذَ من مَهْرِ ابْنَتِه شيئا فأنْفَقَه: فليس عليه شيءٌ، ولا يُؤْخَذُ من بعدِه، وما أصَابَتْ من المَهْرِ من شيءٍ بِعَيْنِه أخَذَتْه. وتَأَوَّلَ بعضُ أصْحابِنا كَلَامَه على [أنَّ له ما] (٣٠) أخَذَه على سَبِيلِ التَّمْلِيكِ. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ أخْذُه له، وإنْفَاقُه إيَّاه، دَلِيلًا على قَصْدِ [التَّمْلِيكِ، فيَثْبُتُ المِلْكُ] (٣١) بذلك الأخْذِ. واللَّه أعلمُ.

فصل: وإن تَصَرَّفَ الأبُ في مالِ الابْنِ قبلَ تَمَلُّكِه، لم يَصِحَّ تَصَرُّفُه. نَصَّ عليه أحمدُ، فقال: لا يجوزُ عِتْقُ الأبِ لِعَبْدِ ابنِه، ما لم يَقْبِضْه. فعلى هذا، لا يَصِحُّ إبْراؤُه من دَيْنِه، ولا هِبَتُه لمالِه، ولا بَيْعُه له؛ وذلك لأنَّ مِلْكَ الابْنِ تامٌّ على مالِ نَفْسِه، فصَحَّ (٣٢) تَصَرُّفُه فيه، ويَحِلُّ له وَطْءُ جَوَارِيه، ولو كان المِلْكُ مشْتَركًا، لم يَحِلَّ له الوَطْءُ، كما لا يَجُوزُ وَطْءُ الجارِيَةِ المُشْتَرَكَةِ، وإنَّما للأَبِ انْتِزَاعُه منه، كالعَيْنِ التي


(٣٠) في الأصل: "أنه".
(٣١) في الأصل: "التملك له".
(٣٢) في م: "يصح".

<<  <  ج: ص:  >  >>