للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧١ - مسألة؛ قال: (وإنْ كانَ مَا ضَرَبَ بِيَدَيْهِ غَيْرَ طَاهِرٍ لَمْ يُجْزِهِ)

لا نعلمُ في هذا خِلَافًا. وبه قال الشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأَصْحابُ الرَّأْى، إلَّا أنَّ الأَوْزَاعِىَّ، قال: إنْ تَيَمَّمَ بِتُرَابِ المَقْبَرَةِ وصَلَّى، مَضَتْ صَلَاتُهُ. ولَنا، قَوْلُ اللهِ تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}. والنَّجِسُ ليس بِطَيِّبٍ، ولأنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ، فلم يَجُزْ بِغيرِ طَاهِرٍ، كالوُضُوءِ، فأمَّا المَقْبَرَةُ فإنْ كَانتْ لم تُنْبَشْ، فتُرَابُها طَاهِرٌ، وإنْ كان نَبْشُها والدَّفْنُ فيها تَكَرَّرَ، لا يجوزُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابِها؛ لاخْتِلَاطِه بصَدِيِد المَوْتَى ولُحُومِهِم. وإنْ شَكَّ في تَكَرُّرِ الدَّفْنِ فيها، أو في نَجَاسَةِ التُّرَابِ الذي تَيَمَّمَ به، جازَ التَّيَمُّمُ به؛ لأنَّ الأصْلَ الطَّهَارَةُ، فلا يَزُولُ بالشَّكِّ، كما لو شَكَّ في طَهَارَةِ الماءِ.

فصل: ويجوزُ أنْ يَتَيَمَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ بِغيرِ خِلافٍ، كما يجوزُ أنْ يَتَوَضَّأَ جماعةٌ مِنْ حَوْضٍ واحِدٍ. فأمَّا ما تَنَاثَرَ مِن الوَجْهِ واليَدَيْنِ بعدَ مَسْحِهِما به، ففيه وَجْهان: أحدُهما، يجوزُ التَّيَمُّمُ به؛ لأنَّه لم يَرْفَعِ الحَدَثَ. وهذا قَوْلُ أبى حنيفة. والثانى، لا يجوزُ؛ لأنَّه مُسْتَعْمَلٌ في طهارةٍ أبَاحَتِ (١) الصلاةَ، أشْبَهَ الماءَ المُسْتَعْمَلَ في الطهارةِ. ولِلشَّافِعِىِّ وَجْهَان، كهذين.

٧٢ - مسألة؛ قال: (وإذَا كانَ بِهِ قَرْحٌ أو مَرَضٌ مَخُوفٌ، وأَجْنَبَ، فَخشِىَ عَلَى نَفْسِه إنْ أَصَابَهُ الماءُ، غَسَلَ الصَّحِيحَ مِنْ جَسَدِهِ، وتَيَمَّمَ لِمَا لَمْ يُصِبْهُ الماءُ)

هذه المَسألةُ دالَّةٌ على أحكامٍ: منها، إباحَةُ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ، وهو قَوْلُ جُمْهُورِ العُلماءِ، منهم: علىّ، وابنُ عَبَّاس، وعمرو بن العاص، وأبو موسى، وعَمَّار، وبه قال الثَّوْرِىُّ، ومالِك، والشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وإسْحَاق، وابنُ المُنْذِرِ، وأصْحَابُ الرَّأْىِ. وكان ابنُ مَسْعُودٍ لا يرى التَّيَمُّمَ لِلْجُنُبِ، ونَحْوُه عن عمر، رَضِىَ اللهُ عنهما. ورَوَىَ البُخَارِىُّ (٢) عَن شِقَيقِ بنِ سَلَمَةَ، أنَّ أبا موسى ناظَرَ ابنَ مَسْعُودٍ في ذلك، واحْتَجَّ عليه بحَدِيثِ عَمَّارٍ، وبالآيةِ التي في المائِدَة، قال: فما دَرَى عَبْدُ اللهِ


(١) في الأصل: "أباح".
(٢) في: باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت أو خاف العطش تيمم، من كتاب التيمم. صحيح البخاري ١/ ٩٥، ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>