للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"فَإنِ اشْتَجَرُوا، فَالسُّلطَانُ وَلِىُّ مَنْ لا وَلِىَّ له" (٢٤). ولأنَّ ذلك حَقٌّ عليه امْتَنَعَ من أدائِه، فقام الحاكمُ مقامَه، كما لو كان عليه دَينٌ فامْتَنعَ مِن قَضائِه. ولَنا، أنَّه تَعَذّرَ التَّزْويجُ من جهةِ الأقْرَبِ، فمَلَكَهُ الأبْعَدُ، كما لو جُنَّ. ولأنَّه يَفْسُقُ بالعَضْلِ، فتَنْتَقِلُ الوِلايةُ عنه، كما لو شَرِبَ الخَمْرَ. فإن عَضَلَ الأولياءُ كلُّهم زَوّجَ الحاكمُ. والحديثُ حُجّةٌ لنا؛ لقولِه: "السُّلْطانُ وَلِىُّ مَنْ لا وَلِىَّ له". وهذه لها وَلِىٌّ. ويُمْكِنُ حَمْلُه على ما إذا عَضَلَ الكُلُّ؛ لأنَّ (٢٥) قولَه: "فَإنِ اشْتَجَرُوا". ضَمِيرُ جَمْعٍ يتناوَلُ الكُلَّ. والوِلايةُ تُخالِفُ الدَّينَ من وجوهٍ ثلاثةٍ؛ أحدها، أنها حَقٌّ للوَلِىِّ، والدَّينُ حَقٌّ (٢٦) عليه. الثانى، أنَّ الدَّينَ لا يَنْتَقِلُ عنه، والولايةُ تنْتقلُ لعارِضٍ؛ من جُنُونِ الوَلِىِّ [أو فِسْقِه أو مَوْتِه] (٢٧). الثالث، أَنَّ الدَّينَ لا يُعْتَبرُ فى بَقائِه العَدالَةُ، والوِلايةُ يُعْتَبرُ لها ذلك، وقد زالتِ العدالةُ (٢٨) بما ذكَرْنا. فإن قيل: فلو زالت وِلايَتُه لَما صَحَّ منه التَّزويجُ إذا أجاب إليه. قُلْنا: فِسْقُه بامتِناعِه، فإذا أجابَ فقد نَزَعَ عن المَعْصِيةِ، وراجَعَ الحقَّ، فزال فِسْقُه، فلذلك صَحَّ تزْوِيجُه. واللَّهُ أعلمُ.

فصل: ومعنى العَضْلِ مَنْعُ المرأةِ من التَّزْوِيج بكُفْئِها إذا طَلَبَتْ ذلك، ورَغِبَ كلُّ واحدٍ منهما فى صاحِبِه. قال مَعْقِلُ بن يَسَارٍ: زَوجْتُ أُخْتًا لى من رَجُلٍ، فطَلَّقها، حَتَّى إذا (٢٩) انْقَضَتْ عِدَّتُها جَاءَ يَخْطُبُها، فقلتُ له: زَوَّجْتُكَ، وأفْرَشتُكَ، وأكْرَمْتُكَ، فطَلَّقْتَها، ثم جِئتَ تَخْطُبُها! لا واللَّهِ لا تَعُودُ إليك أبدًا. وكان رَجُلًا لا بَأْسَ به، وكانت المرأةُ تُريدُ أن ترْجِعَ إليه، فأنزَلَ اللَّهُ تعالى هذه الآية: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} (٣٠). فقلتُ: الآن أفْعَلُ يا رسولَ اللَّه. قال: فزَوَّجَها إيَّاهُ. رواه


(٢٤) تقدم تخريجه فى: ٥/ ٨٨، وصفحة ٣٤٥.
(٢٥) فى ب: "فإن".
(٢٦) سقط من: الأصل، أ.
(٢٧) فى أ، ب، م: "وفسقه وموته".
(٢٨) سقط من: الأصل.
(٢٩) سقط من: م.
(٣٠) سورة البقرة ٢٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>