للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُذَكَّرَةً، فلا يجوزُ أن تُعَدَّ بِغَيْرِها. الثاني، أنَّها لو كانت أَشْهُرًا لَقال: أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَهْرًا. بالتَّرْكِيبِ، لا بالعَطْفِ، كما قال: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} (٣٦). وقَوْلُهم: إنَّ الأَلْفَ مُبْهَمٌ. قُلْنا: قد قُرِنَ به ما يَدُلُّ على تَفْسِيرِه، فأَشْبَهَ ما لو قال: مائةٌ وخَمْسُونَ دِرْهَمًا، أو مائةٌ ودِرْهَمٌ. عندَ أبى حنيفةَ. فإن قِيلَ: إذا قال: مائةٌ وخَمْسُونَ دِرْهَمًا. فالدِّرْهَمُ ذُكِرَ لِلتَّفْسِيرِ، ولهذا لا يَزْدَادُ به العَدَدُ، فصَلَحَ تَفْسِيرُ الجَمِيعِ ما قبلَه، بِخِلَافِ قَوْلِه: مائةُ دِرْهَمٍ. فإنه ذَكَرَ الدِّرْهَمَ للإِيجَابِ، لا لِلتَّفْسِيرِ، بِدَلِيلِ أنَّه زَادَ به العَدَدَ. قُلْنا: هو صَالِحٌ لِلإِيجَابِ والتَّفْسِيرِ معًا، والحاجَةُ داعِيَةٌ إلى التَّفْسِيرِ، فوَجَبَ حَمْلُ الأَمْرِ على ذلك، صِيَانَةً لِكَلَامِ المُقِرِّ عن الإِلْبَاسِ (٣٧) والإِبْهَامِ، وصَرْفًا له إلى البَيَانِ والإِفْهَامِ. وقولُ أصْحابِ أبى حنيفةَ: إن "علىَّ" للإِيجَابِ. قُلْنا: فمَتَى عُطِفَ ما يَجِبُ بها على ما يَجِبُ، وكان أحَدُهُما مُبْهَمًا والآخَرُ مُفَسَّرًا، وأمْكَنَ تَفْسِيرُه به، وَجَبَ أَن يكونَ المُبْهَمُ من جِنْسِ المُفَسَّرِ، فأمَّا إن لم يُمْكِنْ (٣٨)، مثل أن يُعْطَفَ عَدَدُ المُذَكَّرِ على المُؤَنَّثِ، أو بالعَكْسِ، ونحو ذلك، فلا يكونُ أحَدُهما من جِنْسِ الآخَرِ، ويَبْقَى المُبْهَمُ على إِبْهامِه، كما لو قال: له عَلَىَّ أرْبَعَةُ دَرَاهِمَ وعَشْرٌ.

٨٥٣ - مسألة؛ قال: (وَإذَا قَالَ: لَهُ عِنْدِى عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. ثُمَّ قَالَ: وَدِيعَةً. كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ)

وجُمْلَتُه أنَّ مَنْ أقَرَّ بهذا اللَّفْظِ، فقال: له عِنْدِى دَرَاهِمُ. فَسَّرَ إِقْرَارَهُ بأنَّها وَدِيعَةٌ، قُبِلَ تَفْسِيرُه. لا نَعْلَمُ فيه اخْتِلَافًا بين أهْلِ العِلْمِ، سواءٌ فَسَّرَهُ بكلامٍ مُتَّصِلٍ أو مُنْفَصِلٍ؛ لأنَّه فَسَّرَ لَفْظَهُ بما يَقْتَضِيه، فقُبِلَ، كما لو قال: له عَلَىَّ دَرَاهِمُ. وفَسَّرَها بِدَيْنٍ عليه، فعندَ ذلك تَثْبُتُ فيها أحْكَامُ الوَدِيعَةِ، بحيثُ لو ادَّعَى تَلَفَها بعدَ ذلك أو


(٣٦) سورة المدثر ٣٠.
(٣٧) في ب: "الالتباس".
(٣٨) في ب، م: "يكن".

<<  <  ج: ص:  >  >>