للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالَى رسولَه رَدَّ النِّساءِ إلى الكُفَّارِ بَعْدَ صُلْحِه على رَدِّهِنَّ فى قِصَّة الحُدَيْبِيَةِ، وفيها: فجاءَ نِسْوَةٌ مؤمناتٌ فنَهاهُم اللَّهُ أَنْ يَرُدُّوهُن. روَاه أبو دَاوُدَ، وغيرُه (٨). وإِنْ كان رجلًا، ففيه روايتان؛ إحداهُما، لا يُرْجَعُ أيضًا. وهو قولُ الحَسَن، والنَّخَعِىِّ، والثَّوْرِىِّ، والشافِعِىِّ؛ لأنَّ الرُّجوعَ إليهم مَعْصِيَةٌ، فلم يَلْزَمْ بالشَّرْطِ، كما لو كان امرأةً، وكما لو شَرَطَ قَتْلَ مُسْلِمٍ، أو شُرْبَ الخمرِ. والثانيةُ، يَلْزَمُه. وهو قولُ عثمانَ، والزُّهْرِىِّ، والأوْزَاعِىِّ، ومحمد بن سُوقَةَ (٩)؛ لما ذكَرْنا فى بَعْثِ الفِدَاءِ، ولأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قد عاهَدَ قريشًا على رَدِّ مَنْ جاءَه مُسْلِمًا، ورَدَّ أبا بَصِيرٍ، وقال: "إنّا لَا يَصْلُحُ فى دِينِنَا الْغَدْرُ". وفارَقَ ردَّ المَرْأَةِ، فإنَّ اللَّهَ تعالَى فرَّقَ بينهما فى هذا الحُكْمِ، حينَ صالَحَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قُرَيْشًا على رَدِّ من جاءَه منهم مُسْلِمًا، فأمْضَى اللَّهُ ذلك فى الرِّجالِ، ونَسَخَه فى النِّساءِ. وقد ذَكَرْنا الفرقَ بينهما من ثلاثةِ أوْجُهٍ تَقَدَّمَتْ.

فصل: فإنْ أَطْلَقُوه وآمَنُوه، صارُوا فى أمانٍ منه؛ لأنَّ أمانَهم له يَقْتَضِى سَلامَتَهم منه، فإنْ أمْكَنَه المُضِىُّ إلى دارِ الإِسْلامِ، لزِمَه، وإِنْ تَعَذَّرَ عليه، أقامَ، وكان حكْمُه حُكْمَ مَنْ أَسْلَمَ فى دارِ الحَرْبِ. فإنْ أخَذَ فى الخروجِ، فأدْرَكُوه وتَبِعُوه، قاتَلَهُم، وبَطَلَ الأمانُ؛ لأنَّهُم طَلَبُوا منه المُقامَ وهو مَعْصِيَةٌ. فأمّا إنْ أَطْلَقُوه ولم يُؤَمِّنُوه، فلَه أَنْ يأْخُذَ منهم ما قَدَرَ عليه، ويَسْرِقَ ويَهْرُبَ؛ لأنَّه لم يُؤَمِّنْهم ولم يُؤَمِّنُوه. وإِنْ أَطْلَقُوه، وشَرَطُوا عليه المُقامَ عندَهم، لزِمَه ما شَرَطُوا عليه. [نَصَّ عليه] (١٠)؛ لقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الْمُسْلِمُونَ (١١) عندَ شُرُوطِهِم" (١٢). وقال أصحابُ الشافِعِىِّ: لا يلزَمُه. فأمَّا إنْ أَطْلَقُوه على أنَّه رَقِيقٌ لهم، فقال أبو الخَطَّاب: له أَنْ يسْرِقَ ويَهْرُبَ ويقتُلَ؛ لأنَّ كَوْنَه رَقِيقًا حُكْمٌ شَرْعِىٌّ، لا يثْبُتُ عليه بقولِه، ولو ثَبَتَ لم يقْتَضِ أمانًا له منهم، ولا لهم منه. وهذا مذْهَبُ الشافِعِىِّ.


(٨) تقدم تخريجه فى صفحة ٥٩.
(٩) محمد بن سوقة الغنوى الكوفى العابد، روى عن أنس، وسعيد بن جبير، وغيرهما، وروى عنه مالك بن مغول، والثورى، وابن المبارك، وغيرهم، ثقة مرضىّ فاضل. تهذيب التهذيب ٩/ ٢٠٩، ٢١٠.
(١٠) سقط من: م. نقل نظر.
(١١) فى أ، ب، م: "المؤمنون".
(١٢) تقدم تخريجه فى ٦/ ٣٠، وفى صفحة ١٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>