للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَرَى العُمْرَةَ وَاجِبَةً، ويقولُ: يا أهْلَ مَكَّةَ: ليس عليكم عُمْرَةٌ، إنَّما عُمْرَتُكمْ طَوَافُكم بالبَيْتِ. وبهذا قال عَطاءٌ، وطاوُسٌ. قال عَطاءٌ: ليس أحَدٌ من خَلْقِ اللهِ إلَّا عليه حَجٌّ وعُمْرَةٌ واجِبَتان، لا بُدَّ منهما لِمَن اسْتَطاعَ إليهما سَبِيلًا، إلَّا أهْلَ مَكَّةَ، فإنَّ عليهم حَجَّةً، وليس عليهم عُمْرَةٌ، من أجْلِ طَوَافِهم بِالبَيْتِ. ووَجْهُ ذلك أنَّ رُكْنَ العُمْرَةِ ومُعْظَمَها الطَّوَافُ بِالبَيْتِ، وهم يَفْعَلُونَه فأجْزَأَ عنهم. وحَمَلَ القاضى كلامَ أحمدَ على أنَّه لا عُمْرَةَ عليهم مع الحَجَّةِ؛ لأنَّه يَتَقَدَّمُ منهم فِعْلُها فى غيرِ وَقْتِ الحَجِّ. والأمْرُ على ما قُلْناهُ.

فصل: وتُجْزِئُ عُمْرَةُ المُتَمَتِّعِ، وعُمْرَةُ القَارِنِ، والعُمْرَةُ من أدْنَى الحِلِّ عن العُمْرَةِ الوَاجِبَةِ، ولا نَعْلَمُ فى إجْزَاءِ عُمْرَةِ التَّمتُّعِ خِلَافًا. كذلك قال ابنُ عمرَ، وعَطاءٌ، وطَاوُسٌ، ومُجاهِدٌ، ولا نَعْلَمُ عن غَيْرِهِمْ خِلَافَهم. وَرُوِىَ عن أحمدَ أنَّ عُمْرَةَ القَارِنِ لا تُجْزِئُ. وهو اخْتِيارُ أبى بكرٍ. وعن أحمدَ أنَّ العُمْرَةَ من أدْنَى الحِلِّ لا تُجْزِئُ عن العُمْرَةِ الوَاجِبَةِ. وقال: إنَّما هى من أرْبَعَةِ أمْيالٍ. واحْتَجَّ على أنَّ عُمْرَةَ القَارِنِ لا تُجْزِئُ أنَّ عائشةَ حين حاضَتْ أعْمَرَها من التَّنْعِيمِ (٢٧)، فلو كانت عُمْرَتُها فى قِرَانِها أجْزَأَتْها لَمَا أعْمَرَها بَعْدَها. ولَنا، قولُ الضَّبِّىِّ بن مَعْبَدٍ: إنِّى وَجَدْتُ الحَجَّ والعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلَىَّ، فأهْلَلْتُ بهما. فقال عمرُ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ (٢٨). وهذا يَدُلُّ على أنَّه أحْرَمَ بهما يَعْتَقِدُ أداءَ ما كَتَبَه اللهُ عليه منهما، والخُرُوجَ عن عُهْدَتِهما، فصَوَّبَهُ عمرُ، وقال: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ. وحديثُ عائشةَ حين قَرَنَتِ الحَجَّ والعُمْرَةَ، فقال لها النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين حَلَّتْ منهما: "قَدْ حَلَلْتِ من حَجِّكِ وعُمْرَتِك" (٢٩). وإنَّما أعْمَرَها النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من التَّنْعِيمِ قَصْدًا


(٢٧) يأتى تخريج حديث عائشة بعد قليل.
والتنعيم: بين مكة وسرف، على فرسخين من مكة. معجم البلدان ١/ ٨٧٩.
(٢٨) تقدم تخريجه فى صفحة ١٣.
(٢٩) أخرجه مسلم، فى: باب بيان وجوه الإحرام. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم=

<<  <  ج: ص:  >  >>