للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنَّه تَصِحُّ هِبَتُه، فصَحَّتِ الوَصِيَّةُ له، كالذِّمِّىِّ. وقد رُوىَ أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أعْطَى عمرَ حُلَّةً من حَرِيرٍ، فقال: يا رَسُولَ اللَّه كَسَوْتَنِيهَا، وقد قُلْتَ في حُلَّةِ عُطَارِدٍ ما قلتَ، فقال: "إنِّي لَمْ أُعْطِكَهَا لِتَلْبَسَها". فكَسَاهَا عُمَرُ أخًا مُشْرِكًا له بمَكّةَ (١٥). وعن أسْماء بنت أبى بكرٍ، قالت: أتَتْنِى أُمِّى وهى راغِبةٌ - تعنى الإِسلامَ - فسأَلْتُ رسولَ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلتُ: يا رسولَ اللَّه، أتَتْنِى أُمِّى وهى راغِبَةٌ، أَفَأَصِلُها؟ قال: "نَعَمْ" (١٦). وهذان فيهما صِلَةُ أهْلِ الحَرْبِ وبِرُّهُم. والآيةُ حُجَّةٌ لنا في مَن لم يُقَاتِلْ، فأما المُقاتِلُ فإنَّه نُهِىَ عن تَوَلِّيه لا عن بِرِّه والوَصِيّةِ له، وإن احْتجَّ بالمَفْهُومِ، فهو لا يَرَاهُ حُجَّةً. ثم قد حَصَلَ الإِجْماعُ على جَوَازِ الهِبَةِ، والوَصِيّةُ في مَعْناها. فأمَّا المُرْتَدُّ، فقال أبو الخَطَّابِ: تَصِحُّ الوَصِيّةُ له، كما تَصِحُّ هِبَتُه. وقال ابنُ أبي موسى: لا تَصِحُّ؛ لأنَّ مِلْكَه غيرُ مُسْتَقِرٍّ، ولا يَرِثُ، ولا يُورَثُ، فهو كالمَيِّتِ. ولأنَّ مِلْكَه يَزُولُ عن مالِه بِرِدَّتِه في قول أبى بكرٍ وجَمَاعةٍ، فلا يَثْبُتُ له المِلْكُ بالوَصِيَّةِ.

فصل: ولا تَصِحُّ الوَصِيّةُ لِكَافرٍ بمُصْحَفٍ ولا عَبْدٍ مُسْلِمٍ؛ لأنَّه لا يجوزُ هِبَتُهُما له، ولا بَيْعُهما منه. وإن أوْصَى له بِعَبْدٍ كافِرٍ، فأسْلَمَ قبلَ مَوْتِ المُوصِى، بَطَلَتِ الوَصِيّةُ، وإن أسْلَمَ بعدَ المَوْتِ وقبلَ القَبُولِ، بَطَلَتْ، عندَ مَنْ يَرَى أنَّ المِلْكَ لا يَثْبُتُ إلَّا بالقَبُولِ؛ لأنَّه لا يجوزُ أن يَبْتَدِىءَ المِلْكُ على مُسْلِمٍ، ومن قال: يَثْبُتُ المِلْكُ بالمَوْتِ قبلَ القَبُولِ. قال: الوَصِيّةُ صَحِيحَةٌ؛ لأنَّنا نَتَبَيَّنُ أن المِلْكَ يَثْبُتُ بالمَوْتِ، لأنَّه أسْلَمَ بعد أن مَلَكَه. ويَحْتَمِلُ أن لا يَصِحَّ أيضًا؛ لأنَّه يَأْتِى بِسَبَبٍ لَوْلَاهُ لم يَثْبُتِ المِلْكُ، فمَنَعَ منه، كابْتِدَاءِ المِلْكِ.

فصل: ولا تَصِحُّ الوَصِيّةُ بمَعْصِيَةٍ وفِعْلٍ مُحَرَّمٍ، مُسْلِمًا كان المُوصِى أو ذِمِّيًّا،


(١٥) تقدم تخريجه، في: ٤/ ١١٥. ويضاف إليه: وأخرجه النسائي أيضًا، في: باب الهيئة للجمعة، من كتاب الجمعة. المجتبى ٣/ ٧٨.
(١٦) تقدم تخريجه، في: ٤/ ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>