للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما، أنَّ له مَنْعَها من رَضاعِه؛ لعمومِ لَفْظِه. وهو قولُ الشافعىِّ؛ لأنَّه يُخِلُّ باسْتِمْتاعِه منها، فأَشْبَهَ ما لو كان الولَدُ من غيرِه. والثانى، ليس له مَنْعُها؛ فإنَّه قال: وإن أرادَتْ رَضاعَ ولَدِها بأُجْرَةِ مثلِها، فهى أحَقُّ به من غيرِها، سواءٌ كانتْ في حِبَالِ الزَّوجِ أو مُطَلَّقَةً، وذلك لقول اللَّه تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} (٤). وهذا خَبَرٌ يُرَادُ به الأمْرُ (٥)، وهو عامٌّ في كلِّ والدةٍ، ولا يَصِحُّ من أصْحابِ الشافعىِّ حَمْلُه على المُطَلَّقاتِ؛ لأنَّه جَعَلَ لهُنَّ رِزْقَهُنَّ وكُسْوَتَهُنَّ، وهم لا يُجِيزُونَ جَعْلَ ذلك أجْرَ الرَّضاعِ ولا غيرَه. وقولُنا، في الوَجْهِ الأوَّلِ: إنَّه يُخِلُّ باسْتِمتاعِه. قُلْنا: ولكنْ لإِيفاءِ حَقٍّ عليه، وليس ذلك مُمْتَنِعًا، كما أنَّ قَضاءَ دَيْنِه بدَفْعِ مالِه فيه واجبٌ، سِيَّما إذا تعَلَّقَ به حَقُّ الوَلَدِ، في كَوْنِه مع أمِّهِ، وحَقُّ [الأُمِّ في الجَمْعِ] (٦) بينها (٧) وبينَ ولَدِها. وهذا الوَجْهُ ظاهِرُ كلامِ ابنِ أبي موسى، والأوَّلُ (٨) ظاهرُ كلامِ القاضِى أبى يَعْلَى.

فصل: وإن أجَرَتِ المرأةُ نَفْسَها للرَّضاعِ، ثم تزَوَّجَتْ، صَحَّ النِّكاحُ، ولم يَمْلِك الزَّوجُ فَسْخَ الإِجَارةِ، ولا (٩) مَنْعَها من الرَّضاعِ حتى تَنْقَضِىَ المُدَّةُ؛ لأنَّ مَنافِعَها مُلِكَتْ بعَقْدٍ سابقٍ على نكاحِه، فأشْبَهَ ما لو اشْتَرَى أمَةً مُسْتَأْجَرَةً، أو دارًا مَشْغُولةً. فإن نامَ الصَّبِىُّ، أو اشْتَغَلَ بغيرِها، فللزَّوْجِ الاسْتِمتاعُ، وليس لوَلِىِّ الصبىِّ مَنْعُه. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال مالكٌ: ليس له وطْؤُها إلَّا برِضَى (١٠) الوَلِىِّ؛ لأنَّ ذلك يَنْقُصُ اللَّبَنَ. ولَنا، أنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ مُسْتَحَقٌّ بالعَقْدِ، فلا يَسْقُطُ بأمْرٍ مَشْكُوكٍ فيه، كما لو أذِنَ الوَلِىُّ


(٤) سورة البقرة ٢٣٣.
(٥) في أ، ب، م: "أمر".
(٦) في الأصل: "الجميع".
(٧) في النسخ: "بينهما".
(٨) في أ، ب، م: "وهو".
(٩) في م: "وله".
(١٠) في م: "برضاء".

<<  <  ج: ص:  >  >>