للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَبيعُ عِنَبًا، أو فاكهَةً، سَوَّاهُ، فأخَذَهُ حين يَتَناهَى إدْراكُه، وتَسْتَحْكِمُ حَلاوَتُه، ويُجَزُّ مثلُه. وهذا قولُ مالكٍ، والشَّافِعِيِّ.

فصل: فإن أُبِّرَ بعضُه دونَ بعضٍ، فالمَنْصوصُ عن أحمدَ، أنَّ ما أُبِّرَ لِلْبائِعِ، وما لم يُؤَبَّرْ لِلْمُشْتَرِى. وهو قولُ أبي بكرٍ؛ لِلْخَبَرِ الذى عليه مَبْنَى هذه المَسْأَلَةِ، فإنَّ صَرِيحَه، أنَّ ما أُبِّرَ للبائِعِ، ومَفْهُومَه، أنَّ ما لم يُؤَبَّرْ لِلْمُشْتَرِى. وقال ابنُ حامِدٍ: الكلُّ للبائِعِ. وهو مذهبُ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّا إذا لم نَجْعَلِ الكُلَّ للبائِعِ، أدَّى إلى الإِضْرارِ باشْتِراكِ الأَيْدِى في البُسْتانِ، فيَجِبُ أن يُجْعَلَ ما لم يُؤَبَّرْ تَبَعًا لِمَا أُبِّرَ، كثَمَرِ النَّخْلَةِ الواحِدَةِ، فإنَّه لا خِلافَ في أنَّ تَأْبيرَ بعضِ النَّخْلَةِ يَجْعَلُ جَميعَها للبائِعِ، وقد يَتْبَعُ الباطِنُ (١٦) الظَّاهِرَ منه، كأساساتِ الحِيطانِ تَتْبَعُ الظَّاهِرَ منه. ولأنَّ البُسْتانَ إذا بَدا صَلاحُ ثَمَرَةٍ منه جازَ بَيْعُ جَميعِها بغيرِ شَرْطِ القَطْعِ، كذا هاهُنا، وهذا من النَّوْعِ الواحِدِ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أنَّ النَّوْعَ الواحِدَ يَتَقارَبُ ويَتَلاحَقُ، فأمَّا إن أُبِّرَ، لم يَتْبَعْهُ النَّوْعُ الآخَرُ. ولم يُفَرِّقْ أبو الخَطَّابِ بين النَّوْعِ والجِنْسِ كلِّه، وهو ظاهِرُ مذهبِ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّه يُفْضِى إلى سُوءِ المُشارَكَةِ، واخْتِلافِ الأَيْدِى، كما في النَّوْعِ الواحِدِ. ولنا، أنَّ النَّوْعَيْنِ يَتَباعَدانِ، ويَتَمَيَّزُ أحَدُهما من الآخَرِ، ولا يُخْشَى اخْتِلاطُهما واشْتِباهُهما. فأشْبَها الجِنْسَيْنِ. وما ذَكَرَهُ يَبْطُلُ بالجِنْسَيْنِ. ولا يَصِحُّ القِياسُ على النَّوْعِ الواحِدِ؛ لِافْتِراقِهما فيما ذَكَرْناهُ. ولو باعَ حائِطَيْنِ قد أَبَّرَ أحَدَهما، لم يَتْبَعْهُ الآخرُ؛ لأنَّه يُفْضى إلى سُوءِ المُشارَكَةِ، واخْتِلافِ الأَيْدِى؛ لِانْفِرادِ كلِّ واحِدٍ منهما عن صاحِبِه. ولو أبَّر بعضَ الحائِطِ، فأفرَدَ بِالبَيْعِ ما لم يؤبَّرْ، فَلِلْمَبِيع حُكْمُ نَفْسِه، ولا يَتْبَعُ غيرَه. وخَرَّجَ القاضى وَجْهًا في أنَّه يَتْبَعُ غيرَ المَبِيعِ، ويكونُ للبائِعِ؛ لأنَّه قد ثَبَتَ للحائِطِ كلِّه، حُكْمُ التَّأْبيرِ. وهو أحدُ الوَجْهَيْنِ لأصحابِ الشَّافِعِيِّ. ولا يَصِحُّ هذا؛ لأنَّ المَبيعَ لم


(١٦) في النسخ: "الباطل".

<<  <  ج: ص:  >  >>