للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُتَبايِعَيْنِ، فصَحَّ اشْتِراطُه لِلثَّمَرَةِ، كالمُشْتَرِى، وقد ثَبَتَ الأصْلُ بالاتِّفاقِ عليه، وبقولِه عليه السَّلامُ: "إلَّا أنْ يَشْتَرِطَهَا المُبْتَاعُ" (١٢). ولو اشْتَرَطَ أحَدُهما جُزْءًا من الثَّمَرَةِ مَعْلومًا، كان ذلك كاشْتِراطِ جَميعِها في الجَوازِ، في قول جُمْهورِ الفُقَهاءِ، وقولِ أشْهَبَ من أصحابِ مالكٍ. وقال ابنُ القاسِمِ: لا يَجوزُ اشْتِراطُ بعضِها؛ لأنَّ الخَبَرَ إنَّما وَرَدَ باشْتِراطِ جَميعِها. ولنا، أنَّ ما جازَ اشْتِراطُ جَميعِه، جازَ اشْتِراطُ بعضِه، كمُدَّةِ الخِيارِ، وكذلك القَوْلُ في مالِ العبدِ إذا اشْتَرَطَ بعضَه.

الفصل الثالث: أنَّ الثَّمَرَةَ إذا بَقِيَتْ للبائِعِ، فلَهُ تَرْكُها في الشَّجَرِ إلى أوانِ الجِزازِ، سواءٌ اسْتَحَقَّها بِشَرْطِه، أو بِظُهورِها. وبه قال مالكٌ، والشَّافِعِيُّ. وقال أبو حنيفةَ: يَلْزَمُه قَطْعُها، وتَفْريغُ النَّخْلِ منها؛ لأنَّه مَبيعٌ مَشْغولٌ بمِلْكِ البائِعِ، فلَزِمَ نَقْلُه وتَفْريغُه، كما لو باعَ دارًا فيها طَعامٌ، أو قُماشٌ له. ولنا، أنَّ النَّقْلَ والتَّفْريغَ لِلْمَبيعِ على حَسَبِ العُرْفِ والعادَةِ، كما لو باعَ دارًا فيها طَعامٌ، لم يَجِبْ نَقْلُه إلَّا على حَسَبِ العادَةِ في ذلك، وهو أن يَنْقُلَهُ نَهارًا، شَيْئًا بعدَ شىءٍ، ولا يَلْزَمُه النَّقْلُ لَيْلًا، ولا جَمْعُ دَوابِّ البَلَدِ لِنَقْلِه. كذلك هاهُنا، يُفَرِّغُ النَّخْلَ من الثَّمَرةِ في أوانِ تَفْريغِها، وهو أوانُ جِزازِها، وقِياسُه حُجَّةٌ لنا؛ لما بَيَّنَّاهُ. إذا تَقَرَّرَ هذا، فالمَرْجِعُ في جَزِّهِ إلى ما جَرَتْ به العادَةُ، فإذا كانَ المَبيعُ نَخْلًا، فحينَ تَتَناهَى حَلاوَةُ ثَمَرِهِ (١٣)، إلَّا أن يكونَ ممَّا بُسْرُه (١٤) خيرٌ من رُطَبِهِ، أو ما جَرَتِ العادَةُ بأخْذِهِ (١٥) بُسْرًا، فإنَّه يَجُزُّهُ حين تَسْتَحْكِمُ حَلاوَةُ بُسْرِهِ؛ لأنَّ هذا هو العادَةُ، فإذا اسْتَحْكَمَتْ حَلاوَتُه، فعليه نَقْلُه. وإنْ قيلَ: بَقاؤُه في شَجَرِه خيرٌ له وأبْقَى؛ فعليه النَّقْلُ؛ لأنَّ العادَةَ في النَّقْلِ قد حَصَلَتْ، وليس له إبْقاؤُه بعدَ ذلك. وإن كان


= باب ما جاء في النهى عن الثنيا، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى ٥/ ٢٩٠. والنسائي، في: باب النهى عن بيع الثنيا حتى تعلم، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٦٠.
(١٢) تقدم تخريجه في صفحة ٢١.
(١٣) في الأصل: "ثمرها".
(١٤) البُسْر: ثمر النخل قبل أن يصبح رطبًا.
(١٥) في م: "بأخذ".

<<  <  ج: ص:  >  >>