للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقَوَّادُ عندَ العامَّةِ: السِّمْسَارُ في الزِّنَى. والقذفُ بذلك كلِّه يُوجِبُ التَّعْزِيرَ؛ لأنَّه قذفٌ بما لا يُوجِبُ الحَدَّ.

فصل: وإذا نَفَى رجلًا عن أبيه، فعليه الحَدُّ. نصَّ عليه أحمدُ. وكذلك إذا نَفَاهُ عن قبيلتِه. وبهذا قال إبراهيمُ النَّخَعِىُّ (١٣)، وإسحاقُ. وبه قال أبو حنيفةَ، والثَّوْرِىُّ، وحَمَّادٌ، إذا (١٤) نفاه عن أبيهِ وكانتْ أُمُّهُ مُسْلِمَةً، وإن كانتْ ذِمِّيَّةً أو رَقِيقَةً، فلا حَدَّ عليه؛ لأنَّ القَذْفَ لها. ووَجْهُ الأوَّلِ، ما رَوَى الأشْعَثُ بنُ قَيْسٍ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه كان يقولُ: "لَا أُوتَى بِرَجُلٍ يَقُولُ: إنَّ كِنَانَةَ لَيْسَتْ مِنْ قُرَيْشٍ. إلَّا جَلَدْتُه" (١٥). وعن ابنِ مسعودٍ، أنَّه قال: لا جَلْدَ إلَّا في اثْنَتَيْن (١٦)؛ رجلٍ قذفَ مُحْصَنَةً، أو نَفَى رجلًا عن أبيه (١٧)، وهذا لا يقولُه إلَّا تَوْقيفًا. فأمَّا إن نَفاهُ عن أُمِّه، فلا حَدَّ عليه؛ لأنَّه لم يَقْذِفْ أحدًا بالزِّنَى. وكذلك إن قال: إنْ لم تفعل كذا، فلستَ بابنِ فلانٍ. فلا حَدَّ فيه؛ لأنَّ القَذْفَ لا يتعلَّقُ بالشَّرْطِ. والقياسُ يقْتَضِى أن لا يجبَ الحَدُّ بِنَفْىِ الرجلِ عن قبيلتِه، ولأنَّ ذلك لا يتعيَّنُ فيه الرَّمْىُ بالزِّنَى، فأشْبَهَ ما لو قال للأعْجَمِىِّ: إنَّك عَرَبِىٌّ. ولو قال للعَرَبِىِّ: أنتَ نَبَطِىٌّ. أو فَارِسِىٌّ. فلا حَدَّ فيه، وعليه التَّعْزِيرُ. نَصَّ عليه؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أنَّك نَبَطِىُّ اللسانِ أو الطَّبْعِ. وحُكِىَ عن أحمدَ، روايةٌ أُخْرَى، أنَّ عليه الحَدَّ، كما لو نَفَاهُ عن أبيه. والأوَّلُ أصَحُّ. وبه قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ غيرَ القَذْفِ احتمالًا كثيرًا، فلا يَتَعَيَّنُ صَرْفُه إليه. ومتى فَسَّرَ شيئًا من ذلك بالقَذْفِ، فهو قاذِفٌ.

فصل: وإذا قذفَ رجلٌ رجلًا، فقال آخَرُ: صَدقْتَ. فالمُصدِّقُ قاذِفٌ أيضًا،


(١٣) في ب، م: "والنخعي". خطأ.
(١٤) في ب زيادة: "كان".
(١٥) أخرجه ابن ماجه، في: باب من نفى رجلا من قبيلة، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٧١. والإِمام أحمد في: المسند ٥/ ٢١١، ٢١٢. موقوفا.
(١٦) في ب، م: "اثنين".
(١٧) أخرجه البيهقي، في: باب من قال: لا حد إلا في القذف الصريح، من كتاب الحدود. السنن الكبرى ٨/ ٢٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>