للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُدْرِكُها بأقلَّ من ذلك، وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، ومذهبُ مَالِكٍ؛ لِظاهِرِ الخبر الذي رويْنَاهُ، فإنَّ تَخْصِيصَهُ الإِدراكَ بِرَكْعَةٍ يَدُلُّ على أنَّ الإِدْرَاكَ لا يَحْصُلُ بأقَلَّ منها، ولأنه إدركٌ، للصَّلاةِ، فلا يَحْصُلُ بأقَلَّ من ركعةٍ كإِدراكِ الجُمُعَةِ. والثانيةُ، يُدْرِكُها بإدراكِ جُزْءٍ منها، أىّ جُزْءٍ كان. قال القاضي: ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، أنه يكونُ مُدْرِكًا لها بإدْرَاكِهِ. وقال أبو الخَطَّاب: مَنْ أدرك من الصَّلَاةِ مِقْدَارَ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ قَبْلَ أنْ يَخْرُجَ الوَقْتُ فقد أدْرَكَهَا. وهذا مذهبُ أبى حنيفَة. ولِلشَّافِعِىِّ قَوْلانِ كَالمَذْهَبَيْنِ. ولأنَّ أبا هُرَيْرَة رَوَى عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "مَنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ"، وإذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَه"، مُتَّفَقٌ عليه (٥). ولِلنَّسائِىِّ "فَقَدْ أَدْرَكَهَا (٦) "، ولأن الإِدْرَاكَ إذا تَعَلَّقَ به حُكْمٌ في الصَّلَاةِ اسْتَوَى فيه الرَّكْعَةُ وما دونها، كإدْراكِ الجماعةِ، وإدراكِ المُسَافِرِ صلاةَ المُقِيمِ، ولَفْظُ الحَدِيثِ الأَوَّلِ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ، والمَنْطُوقُ أَوْلَى منهُ، والقِيَاسُ يَبْطُلُ بإدْراكِ ركعَةٍ دون تَشَهُّدِها.

فصل: وصلاةُ العَصْرِ هي الصلاةُ الوُسْطى، في قولِ أكثرِ أهْلِ العِلْمِ من أصحابِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وغَيْرِهم، منهم: عَلِىُّ بنُ أبى طالِبٍ، وأبو هُريْرَة، وأبو أيُّوب، وأبو سَعِيد، وعَبِيدةُ السَّلْمانِىّ، والحسنُ، والضَّحَّاكُ، وأبو حنِيفَة، وأصحابُهُ. ورُوِىَ عن زيْدِ بنِ ثابِتٍ وعائشةَ أَنَّها صَلَاةُ الظُّهْرِ. وبه قال عبدُ اللَّه بن شَدَّاد (٧)؛ لِمَا رُوىَ عن زيدِ بنِ ثابتٍ، قال: كان رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصَلِّى الظُّهْرَ بِالهاجِرَةِ، ولم يكنْ يُصَلِّى صلاةً أَشَدَّ على أصحابِ رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْها،


(٥) تقدم التخريج في الحاشية السابقة.
(٦) يضاف إلى ما تقدم في التخريج باب من أدرك ركعة من صلاة الصبح، من كتاب المواقيت. المجتبى ١/ ٢١٩.
(٧) عبد اللَّه بن شداد بن الهاد الليثي، كان فقيها، كثير الحديث، لقى كبار الصحابة، وقتل سنة إحدى وثمانين. العبر ١/ ٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>