للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالصَّبِىِّ، والمَجْنُونِ، ولأنَّه إذا نَفَذَ تَصَرُّفُه وإقْرَارُه تَلِفَ مَالُه، ولم يُفِدْ مَنْعُه من مَالِه شَيْئًا، ولأنَّ تَصَرُّفَهُ لو كان نَافِذًا، لَسُلِّمَ إليه مَالُه، كالرَّشِيدِ، فإنه إنما يُمْنَعُ مَالَه حِفْظًا له، فإذا لم يُحْفَظْ (٧) بالمَنْعِ، وَجَبَ تَسْليمُه إليه بِحُكْمِ الأصْلِ.

الفصلُ الثالثُ، فى البُلُوغِ، ويَحْصُلُ فى حَقِّ الغُلَامِ والجَارِيَةِ بأحَدِ ثَلاثَةِ أشْياء، وفى حَقِّ الجَارِيَةِ بِشَيْئَيْنِ يَخْتَصَّانِ بها، أمَّا الثَّلَاثَةُ المُشْتَرَكَةُ بين الذَّكَرِ والأُنْثَى، فأَوَّلُها خُرُوجُ المَنِىِّ من قُبُلِه، وهو الماءُ الدَّافِقُ الذى يُخْلَقُ منه الوَلَدُ، فَكَيْفَما خَرجَ فى يَقَظَةٍ أو مَنَامٍ، بِجمَاعٍ، أو احْتِلَامٍ، أو غيرِ ذلك، حَصَلَ به البُلُوغُ. لا نَعْلَمُ فى ذلك اخْتِلافًا؛ لقَوْلِ اللهِ تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} (٨). وقولِه: {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} (٩). وقَوْلِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رُفِعَ القَلَمُ عن ثَلَاثٍ؛ عَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ". وقَوْلِه عليه السَّلامُ لِمُعاذٍ: "خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا". رَواهما أبو دَاوُدَ (١٠). وقال ابنُ المُنْذِرِ: وأجْمَعُوا على أنَّ الفَرَائِضَ والأحْكامَ تَجِبُ على المُحْتَلِمِ العاقِلِ، وعلى المَرأَةِ بِظُهُورِ الحَيْضِ منها. وأمَّا الإنْبَاتُ فهو أن يَنْبُتَ الشَّعْرُ الخَشِنُ حَوْلَ ذَكَرِ الرَّجُلِ، أو فَرْجِ المرْأَةِ، الَّذى اسْتَحَقَّ أخْذَه بالمُوسى، وأمَّا الزَّغَبُ الضَّعِيفُ، فلا اعْتِبَارَ به، فإنَّه يَثْبُتُ فى حَقِّ الصَّغِيرِ. وبهذا قال مَالِكٌ، والشَّافِعِىُّ فى قولٍ، وقال فى الآخَرِ: هو بُلُوغٌ فى حَقِّ المُشْرِكِينَ، وهل هو بُلُوغٌ فى حَقِّ المُسْلِمِينَ؟ فيه قَوْلَانِ. وقال أبو حنيفةَ: لا اعْتِبَارَ به؛ لأنَّه نَبَاتُ شَعْرٍ، فأشْبَه نَبَاتَ شَعْرِ سَائِرِ البَدَنِ. ولَنا، أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما حَكَّمَ سَعْدَ بنَ مُعَاذٍ فى بَنِى قُرَيْظَةَ، حَكَمَ بأنْ يُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وتُسْبَى ذَرَارِيهمْ، وأمَرَ أن يُكْشَفَ عن مُؤْتَزَرِهِمْ، فمن أنْبَتَ، فهو من المُقَاتِلَةِ،


(٧) فى أ، ب، م: "يحتفظ".
(٨) سورة النور ٥٩.
(٩) سورة النور ٥٨.
(١٠) تقدم تخريج الأول فى: ٢/ ٥٠، والثانى فى: ٤/ ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>