للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَشُدَّهُ} (٤). وهذا قد بَلَغَ أشُدَّهُ، ويَصْلُحُ أن يكونَ جَدًّا، ولأنَّه حُرٌّ بَالِغٌ عَاقِلٌ مُكَلَّفٌ، فلا يُحْجَرُ عليه، كالرَّشِيدِ. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}. عَلَّقَ الدَّفْعَ على شَرْطَيْنِ، والحُكْمُ المُعَلَّقُ على شَرْطَيْنِ لا يَثْبُتُ بدونِهِما، وقال اللَّه تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} (٥). يعنى أمْوَالَهُمْ، وقولُ اللَّه تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} (٦). فأَثْبَتَ الوِلَايَةَ على السَّفِيهِ، ولأنَّه مُبَذِّرٌ لِمَالِه، فلا يجوزُ دَفْعُه إليه، كمَنْ له دُونَ ذلك. وأمَّا الآيَةُ التى احْتَجَّ بها، فإنَّما تَدُلُّ بِدَلِيلِ خِطابِها، وهو لا يقولُ به، ثم هى مُخَصَّصَةٌ فيما قَبْلَ خَمْسٍ وعِشْرِينَ سَنَةً بالإِجْمَاعِ، لِعِلَّةِ السَّفَهِ، وهو مَوْجُودٌ بعد خَمْسٍ وعِشْرِينَ، فيَجِبُ أن تُخَصَّ به أيضًا، كما أنَّها لمَّا خُصِّصَتْ فى حَقِّ المَجْنُونِ لأَجْلِ جُنُونِه قبلَ خَمْسٍ وعِشْرِينَ، خُصَّتْ أيضًا بعد خَمْسٍ وعِشْرِينَ، وما ذَكَرْنَاهُ من المَنْطُوقِ أوْلَى ممَّا اسْتدَلَّ به من المَفْهُومِ المُخَصِّصِ، ومَا ذَكَرُوهُ من كَوْنِه جَدًّا لَيْسَ تَحْتَه مَعْنًى يَقْتَضِى الحُكْمَ، ولا له أصْلٌ يشْهَدُ له فى الشَّرْعِ، فهو إثْبَاتٌ لِلْحُكْمِ بالتَّحَكُّمِ. ثم هو مُتَصَوَّرٌ فى مَن له دُونَ هذه السِّنِّ، فإنَّ المَرْأَةَ تكونُ جَدَّةً لإحْدَى وعِشْرِينَ سَنَةً، وقِيَاسُهُم مُنْتَقِضٌ بمن له دونَ خَمْسٍ وعِشْرِينَ سَنَةً، وما أَوْجَبَ الحَجْرَ قَبْلَ خَمْسٍ وعِشْرِينَ يُوجِبُه بَعْدَها. إذا ثَبَتَ هذا فإنَّه لا يَصِحُّ تَصَرُّفُه، ولا إقْرَارُه. وقال أبو حنيفةَ: يَصِحُّ بَيْعُه وإقْرَارُه. وإنَّما لا يُسَلَّمُ إليه مَالُه؛ لأنَّ البَالِغَ عِنْدَه لا يُحْجَرُ عليه، وإنَّما مُنِعَ تَسْلِيمُ مَالِه إليه لِلآيَةِ. وقال أصْحَابُنَا فى إقْرَارِه: يَلْزَمُه بعد فَكِّ الحَجْرِ عنه، إذا كان بَالِغًا. ولَنا، أنه لا يُدْفَعُ إليه مَالُه لِعَدَمِ رُشْدِه، فلا يَصِحُّ تَصَرُّفُه وإقْرَارُهُ،


(٤) سورة الأنعام ١٥٢.
(٥) سورة النساء ٥.
(٦) سورة البقرة ٢٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>