للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْكُمْ} (٤٦). ولأنَّ الَّذِينَ شَهِدُوا بالحَدِّ في عصرِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأَصْحابِه، لم تُنْكَرْ عليهم شهادتُهم به. ويُسْتَحبُّ للإِمامِ وغيرِه التَّعْرِيضُ بالوُقوفِ عن الشَّهادةِ؛ بدليلِ قولِ عمرَ لزيادٍ: إنِّي لأرَى رجلًا أرجُو أن لا يفْضَحَ اللهُ على يَدَيْه رجلًا من أصحابِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (٤٧). ولأنَّ تَرْكَها أفضلُ، فلم يكُنْ بأسٌ بدَلالتِه على الفَضْلِ. وقد رُوِىَ أنَّ رجلًا سألَ عُقْبةَ بنَ عامرٍ، فقال: إنَّ لي جِيرانًا يشْربون الخمرَ، أفأرْفَعُهم إلى السُّلطانِ؟ فقال عُقْبةُ بنُ عامرٍ: إنِّي سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ مُسْلِمٍ، سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ".

فصل: وإن شَهِدَ أربعةٌ على امرأةٍ بالزِّنَى، فشَهِدَ ثِقاتٌ من النِّساءِ أنَّها عَذْراءُ، فلا حَدَّ عليها، ولا على الشُّهودِ. وبهذا قالَ الشَّعْبِىُّ، والثَّوْرِىُّ، والشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصحابُ الرَّأْىِ. وقال مالِكٌ: عليها الحَدُّ؛ لأنَّ شهادةَ النِّساءِ لا مَدْخَلَ لها في الحُدودِ، فلا تسْقُطُ بشهادَتِهنَّ. ولَنا، أنَّ البَكارَةَ تَثْبُتُ بشَهادةِ النِّساءِ، ووُجودُها يَمْنَعُ من الزِّنَى ظاهرًا؛ لأنَّ الزِّنَى، لا يحْصُلُ بدونِ الإِيلاجِ في الفَرْجِ، ولا يُتَصَوَّرُ ذلك مع بَقاءِ البَكارَةِ، لأنَّ البِكْرَ هي التي لم تُوطَأْ في قُبلِهَا، وإذا انَتفَى الزِّنَى، لم يجبِ الحَدُّ، كما لو قامَتِ البَيِّنَةُ بأنَّ المشهودَ عليه بالزِّنَى مَجْبوبٌ، وإنَّما لم يجبِ الحَدُّ على الشُّهودِ؛ لِكَمالِ عِدَّتِهِم، مع احْتمالِ صِدْقِهم، فإنَّه يَحْتَمِلُ أن يكونَ وَطِئَها ثم عادَتْ عُذْرَتُها، فيكونَ ذلك شُبْهَةً في دَرْءِ الحَدِّ عنهم، غيرَ مُوجِبٍ له عليها، فإنَّ الحَدَّ لا يجبُ بالشُّبُهاتِ. ويجبُ أن يُكْتَفَى بشهادةِ امرأةٍ واحدةٍ؛ لأنَّ شهادتَها مَقْبولةٌ فيما لا يَطَّلِعُ


= ٣/ ١٦٨. ومسلم، في: باب بشارة من ستر اللَّه تعالى عيبه في الدنيا. . ., من كتاب البر والصلة والآداب، وفى: باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، من كتاب الذكر. صحيح مسلم ٤/ ٢٠٠٢، ٢٠٧٤. كما أخرجه أبو داود، في: باب المؤاخاة، من كتاب الآداب. سنن أبي داود ٢/ ٥٧١. والترمذي، في: باب ما جاء في الستر على المسلم، من أبواب الحدود، وفى: باب ما جاء في السُّتْرة على المسلم، من أبواب البر والصلة. عارضة الأحوذى ٦/ ١٩٩، ٨/ ١١٦، ١١٧. وابن ماجه، في: باب فضل العلماء، من المقدمة، وفى: باب الستر على المؤمن، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه ١/ ٨٢، ٢/ ٨٥٠.
(٤٦) سورة النساء ١٥.
(٤٧) تقدم تخريجه، في: ١١/ ١٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>