للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُمِلَ إليه. ولَنا، أَنَّ الفِعْلَ ليس منه، والفعلُ لا يُنْسَبُ إلى غيرِ فاعلِه إلَّا مَجازًا، والكلامُ عند إطْلاقِه [لحقيقتِه إذا أمْكَنَ، وأمَّا الطَّعامُ، فلا يُمْكِنُ وجودُ الفعلِ منه] (٢) حقيقةً، فتَعَيَّنَ حَمْلُ الدُّخولِ فيه على مَجازِه. وأمَّا إن قَدِمَ بنفسِه لإِكْراهٍ، فَعَلَى قولِ الخِرَقِىّ: لا يَحْنَثُ. وهو أحدُ الوَجْهينِ لأصْحابِ الشَّافعىِّ. وقال أبو بكرٍ: يَحْنَثُ. وحَكاه عن أحمدَ؛ لأنَّ الفعلَ منه حقيقةً، ويُنْسَبُ إليه، قال اللَّه تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} (٣). ويَصِحُّ أمْرُ المُكْرَه بالفعلِ، قال اللَّهُ تعالى: {ادْخُلُوَاْ أبْوَابَ جَهَنَّمَ} (٤). ولولا أَنَّ الفعلَ يَتحقَّقُ منه، لما صَحَّ أمرُه به. ووجهُ الأوَّلِ، أنَّه بالإِكْراهِ زالَ اختيارُه، فإذا وُجِدَتِ الصِّفَةُ منه، كان كوُجودِ الطَّلاقِ منه مُكْرَهًا، وهذا فيما إذا أطْلَقَ. وإن كانت له نِيَّةٌ، حُمِلَ عليها كلامُه، وتَقَيَّدَ بها.

فصل: وإن قَدِمَ مُخْتارًا، حَنِثَ الحالفُ، سواءٌ عَلِمَ القادمُ باليَمِينِ أو جَهِلَها. قال أبو بكرٍ الخَلَّالُ: يَقعُ الطَّلاقُ، قولًا واحدًا. وقال أبو عبدِ اللَّهِ ابنُ حامدٍ: إن كان القادمُ ممَّن لا يَمْتنِعُ مِن القُدُومِ بيَمينِه، كالسُّلطانِ، والحاجِّ، والرجُلِ الأجْنَبِىِّ، حَنِثَ الحالفُ، ولا يُعْتبَرُ عِلْمُه ولا جَهْلُه، وإن كان ممَّن يَمْتنِعُ باليمينِ (٥) من القُدُومِ، كقَرابةٍ لهما، أو لأحدِهما، [أو غلامٍ لأحدِهما] (٦)، فجهِلَ اليمينَ، أو نَسِيَها، فالحُكْمُ فيه كما لو حَلَفَ على فِعْلِ نفسِه، ففَعَلَه ناسيًا أو جاهِلًا، وفى ذلك رِوَايتانِ، كذلك هاهُنا؛ وذلك لأنَّه إذا لم يَكُنْ ممَّن تَمْنعُه اليمينُ، كان تَعْليقًا للطَّلاقِ على صِفَةٍ، ولم يكن يَمِينًا، فأشْبَهَ مالو علَّقَه على طلوعِ الشمسِ، وإن كان ممَّن يَمْتنِعُ، كان يمينًا، فيُعذَرُ


(٢) سقط من: الأصل.
(٣) سورة الزمر ٧١.
(٤) سورة الزمر ٧٢.
(٥) فى ب: "من اليمين".
(٦) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>