للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَنَاسِكِ، لمَا دَخَلَهُ التَّفْضِيلُ، كالمُباحاتِ، ولأنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصْحابَه فَعَلُوهُ في جميعِ حَجِّهم وعُمَرِهم، ولم يُخِلُّوا به، ولو لم يَكُنْ نُسُكًا لمَا دَاوَمُوا (١٧) عليه، بل لم يَفْعَلُوهُ [إلَّا نادِرًا] (١٨)؛ لأنَّه لم يَكُنْ من عادَتِهم، فيَفْعَلُوهُ عَادَةً، ولا فيه فَضْلٌ، فيَفْعَلُوهُ لِفَضْلِه. وأمَّا أمْرُهُ بالحِلِّ، فإنَّما مَعْنَاهُ -واللهُ أعلمُ- الحِلُّ بِفِعلهِ؛ لأنَّ ذلك كان مَشْهُورًا عندَهم، فاسْتُغْنِىَ عن ذِكْرِه، ولا يَمْتَنِعُ الحِلُّ من العِبَادَةِ بما كان مُحَرَّمًا فيها، كالسَّلامِ من الصلاةِ.

فصل: ويجوزُ تَأْخِيرُ الحَلْقِ والتَّقْصِيرِ إلى آخِرِ أيَّامِ النَّحْرِ؛ لأنَّه إذا جازَ تَأْخِيرُ النَّحْرِ المقدَّمِ عليه، فتَأْخِيرُه أوْلَى، فإن أَخَّرَهُ عن ذلك، ففيه رِوَايَتانِ: إحْدَاهما، لا دَمَ عليه. وبه قال عَطاءٌ، وأبو يوسفَ، وأبو ثَوْرٍ. ويُشْبِهُ مذهبَ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّ اللَّه تعالى بيَّنَ أوَّلَ وَقْتِه بِقَوْلِه: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (١٩). ولم يُبَيِّنْ آخِرَهُ، فمتى أتَى به أجْزَأَهُ، كطَوَافِ الزِّيَارَةِ والسَّعْىِ. ولأنَّه نُسُكٌ أخَّرَهُ (٢٠) إلى وَقْتِ جَوَازِ فِعْلِه، فأشْبَهَ السَّعْىَ. وعن أحمدَ: عليه دَمٌ بِتَأْخِيرِه. وهو مذهبُ أبي حنيفةَ؛ لأنَّه نُسُكٌ أَخَّرَهُ عن مَحِلِّه، ومَن تَرَكَ نُسُكًا فعليه دَمٌ. ولا فَرْقَ في التَّأْخِيرِ بين القَلِيلِ والكَثِيرِ، والعَامِدِ والسَّاهِى. وقال مَالِكٌ، والثَّوْرِيُّ، وإسحاقُ، وأبو حنيفةَ، ومحمدُ بنُ الحسنِ: مَن تَرَكَهُ حتى حَلَّ فعليه دَمٌ؛ لأنَّه نُسُكٌ فيأتِى به في إحْرَامِ الحَجِّ، كسائِر مَنَاسِكِه. ولَنا، ما تَقَدَّمَ.

فصل: والأصْلَعُ الذى لا شَعْرَ على رَأْسِه، يُسْتَحَبُّ أن يُمِرَّ المُوسَى على رَأْسِه. رُوِىَ ذلك عن ابنِ عمرَ. وبه قال مَسْرُوقٌ، وسَعِيدُ بن جُبَيْرٍ، والنَّخَعِيُّ، ومَالِكٌ، والشَّافِعِيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كُلُّ


(١٧) في الأصل: "داموا".
(١٨) سقط من: ب، م.
(١٩) سورة البقرة ١٩٦.
(٢٠) في م: "أجزأه" تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>