للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالقولُ قولُه. وفى تَحْليفِه وَجْهانِ. كلُّ موضعٍ قُلْنا: يُسْتَحْلَفُ. فنَكَلَ عن اليَمِينِ، قُضِىَ عليه بنُكُولِه. وإن قال: لا أعلمُ ما الطّائرُ؟ فقياسُ المذهبِ أن يُقْرَعَ بينهما، فإن وقَعتِ القُرْعةُ على الغُرابِ، طَلُقَ النِّساءُ، ورقَّ العبيدُ، وإن وقعَتْ على العبيدِ، عَتَقُوا، ولم تَطْلُقِ النِّساءُ. وهذا قولُ أبى ثورٍ. وقال أصحابُ الشّافعىِّ: إن وقَعتِ القُرْعةُ على العبيدِ عَتَقُوا، وإن وقعتْ على النِّساءِ لم يَطْلُقْنَ، ولم يَعْتِقِ العَبِيدُ؛ لأنَّ القُرْعةَ لها مدخلٌ فى العِتْقِ، لكَوْنِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أقْرَعَ بين العَبِيدِ السِّتَّةِ (١٥)، ولا مَدْخَلَ لها فى الطّلاقِ؛ لأنَّه لم يُنْقَلْ مثلُ ذلك فيه، ولا يُمْكِنُ قياسُه على العِتْقِ؛ لأنَّ الطَّلاقَ حَلُّ قَيْدِ النِّكاحِ، والقُرْعةُ لا تَدْخُلُ فى النِّكاحِ، والعِتْقَ حَلُّ المِلْكِ، والقُرْعةُ تَدخُلُ فى تَمْييزِ الأمْلاكِ. قالوا: ولا يُقْرَعُ بينَهم إلَّا بعدَ مَوْتِه. ويُمْكِنُ أن يُقالَ على هذا: إنَّ ما لا يَصلُحُ للتَّعْيينِ فى حقِّ الموْروثِ، لا يَصلُحُ فى حقِّ الوارثِ، كما لو كانتِ اليَمِينُ فى زوجتَيْنِ؛ ولأنَّ الإِماءَ مُحرَّماتٌ على الموروثِ تحريمًا لا تُزِيلُه القُرْعةُ، فلم يُنْجَزْ للوارثِ بها، كما لو تَعَيَّنَ العِتْقُ فيهنَّ.

١٢٨٣ - مسألة؛ قال: (وَإِذَا قَالَ لِزَوْجَاتِهِ: إِحْداكُنَّ طَالِقٌ. وَلَمْ يَنْوِ وَاحِدةً بِعَيْنِهَا، أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ، فَأُخْرِجَتْ بِالْقُرْعَةِ الْمُطَلَّقَةُ مِنْهُنَّ)

وجملتُه أنَّه إذا طلّقَ امرأةً مِن نسائِه، لا بعَيْنِها، فإنَّها تُخْرَجُ بالقُرعَةِ. نَصَّ عليه فى روايةِ جَمَاعَةٍ. وبه قال الحسنُ، وأبو ثَورٍ. وقال قَتادةُ، ومالكٌ: يَطْلُقْنَ جميعًا. وقال حَمَّادُ بنُ أبى سليمان (١)، والثَّورِىُّ، وأبو حنيفةَ، والشَّافعىُّ: له أَنْ يَخْتارَ أيَّتَهُنَّ شاءَ، فَيُوقِعَ عليها الطَّلاقَ؛ لأنَّه يَمْلِكُ إيقاعَه ابْتداءً وتَعْيينَه، فإذا أوْقَعَه ولم يُعَيِّنْه، مَلَكَ تَعْيِينَه؛ لأنَّه اسْتِيفَاءُ ما مَلَكَه. ولَنا، أَنَّ ما ذكرْناه مَروِىٌّ عن علىٍّ، وابنِ عبّاسٍ،


(١٥) تقدم تخريجه فى: ٨/ ٣٩٥.
(١) فى م: "سلمان". خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>