للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اقْتَصَر على البَعْضِ الذى لم يَجِدْ سِواهُ. وحديثُ أوس ابن أخى عُبَادَهَّ مُرْسَلٌ، يَرْوِيه عنه عَطاءٌ ولم يُدْركِه، على أنَّه حُجَّةٌ لنا؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أعْطاهُ عَرَقًا، وأعانَتْه امرأتُه بآخَرَ، فصارا جميعًا ثلاثين صاعًا. وسائر الأخْبارِ نَجْمَعُ بينها وبين أخبارِنا بحَمْلِها على الجَوازِ، وأخْبارُنا على الإِجْزَاءِ، وقد عَضَد هذا أَنَّ ابن عبَّاس رَاوِى بعضِها، ومذهبُه أَنَّ المُدَّ مِن البُرِّ يُجْزِئُ، وكذلك أبو هُريرَةَ، وسائِرُ ما ذَكَرْنا مِن الأخْبارِ، مع الإِجماعِ الذى نقله سليمانُ بن يَسَارٍ. واللَّهُ أعلمُ.

فصل: وبَقِىَ الكلامُ فى الإِطعامِ فى أمورٍ ثلاثة؛ كَيْفِيَّتُه، وجنسُ الطَّعامِ، ومُسْتَحِقُّه. فأمَّا كيفيتُه، فظاهِرُ المذهبِ أَنَّ الواجبَ تمليكُ كُلِّ إنسانٍ مِن المساكينِ (٢٩) القَدْرَ (٣٠) الواجبَ له من الكفَّارةِ، ولو غَدَّى الساكينَ أو عَشَّاهُم لم يُجْزِئْه، سواءٌ فَعَلَ ذلك بالقَدْرِ الواجبِ، أو أقلَّ، أو أكْثَرَ، ولو غَدَّى كُلِّ واحدٍ بِمُدٍّ، لم يُجْزِئْه، إلَّا أَنْ يُمَلكَه إيَّاه. وهذا مذهبُ الشَّافعىِّ. وعن أحمدَ، رواية أُخْرَى، أنَّه يُجْزِئُه إذا أطْعَمَهُم القدرَ الواجبَ لهم. وهو قولُ النَّخَعِىِّ، وأبى حنيفةَ. وأطْعَمَ أنسٌ فى فِدْيَةِ الصِّيامِ (٣١). قال أحمدُ: أطْعَمَ شيئًا كثيرًا، وصَنَع (٣٢) الجِفَانَ. وذَكَرَ حديثَ حَمَّادِ بن سَلَمَةَ، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، وذلك لقولِ اللَّه تعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} (٣٣). وهذا قد أطْعَمَهم، فينْبَغِى أَنْ يُجْزِئَه، ولأنَّه أطْعَمَ المساكينَ، فأجْزَأَه، كما لو مَلَّكَهم. ولَنا، أَنَّ المَنْقُولَ عن الصَّحابةِ إعْطاوُّهم؛ ففى قولِ زيدٍ، وابن عبّاسٍ، وابن عمر، وأبى هُرَيْرَةَ، مُدٌّ لكُلِّ فَقِيرٍ. وقال النَّبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لكَعْبٍ فى فِدْيَةِ الأذَى:


(٢٩) سقط من: الأصل.
(٣٠) فى ب: "للقدر".
(٣١) تقدم فى: ٤/ ٣٨٤. وأخرجه الدارقطنى، فى: باب طلوع الشمس بعد الإفطار، من كتاب الصيام. سنن الدارقطنى ٢/ ٢٠٧. والبيهقى، فى: باب الشيخ الكبير لا يطيق الصوم. . .، من كتاب الصيام. السنن الكبرى ٤/ ٢٧١. وعبد الرزاق، فى: باب الشيخ الكبير، من كتاب الصيام. المصنف ٤/ ٢٢٠. والطبرانى، فى: المعجم الكبير ١/ ٢١٤.
(٣٢) فى الأصل: "وضع".
(٣٣) سورة المجادلة ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>