للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أحَدِ قَوْلَيْه: يَجُوزُ في السَّفَرِ القَصِيرِ؛ لأنَّ أهْلَ مَكَّةَ يَجْمَعُونَ بِعَرَفَةَ ومُزْدَلِفَةَ، وهو سَفَرٌ قَصِيرٌ. ولنَا، أنَّه رُخْصَةٌ تَثْبُتُ لِدَفْعِ المَشَقَّةِ في السَّفَرِ، فاخْتَصَّتْ بالطَّوِيلِ، كالقَصْرِ والمَسْحِ ثلاثًا؛ ولأنَّه تَأْخِيرٌ لِلْعِبادَةِ عن وَقْتِها، فأَشْبَهَ الفِطْرَ، ولأنَّ دَلِيلَ الجَمْعِ فِعْلُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والفِعْلُ لا صِيغَةَ له، وإنَّما هو قَضِيَّةٌ في عَيْنٍ، فلا يَثْبُتُ حُكْمُها إلَّا في مِثْلِها، ولم يُنْقَلْ أنَّه جَمَعَ إلَّا في سَفَرٍ طَوِيلٍ.

فصل: ويَجُوزُ الجَمْعُ لأجْلِ المَطرَ بين المَغْرِبِ والعِشَاءِ. ويُرْوَى ذلك عن ابنِ عمرَ، وفَعَلَهُ أبَانُ بنُ عُثمانَ في أهْلِ المَدِينَةِ. وهو قولُ الفُقَهَاءِ السَّبْعَة، ومالِكٍ، والأوْزاعِىِّ، والشَّافِعِىِّ، وإسحاقَ، ويُرْوَى (٢٧) عن مَرْوَانَ، وعُمَرَ بن عَبْدِ العَزِيزِ. ولم يُجَوِّزْهُ أصْحَابُ الرَّأْىِ.

فصل (٢٨): ولنَا، أنَّ أبَا سَلَمةَ بنَ عبدِ الرحمنِ. قال: إنَّ مِن السُّنَّةِ إذا كان يَوْمٌ مَطِيرٌ أن يَجْمَعَ بين المَغْرِبِ والعِشَاءِ. رَوَاه الأثْرَمُ. وهذا يَنْصَرِفُ إلى سُنَّةِ رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقال نافِعٌ: إنَّ عبدَ اللهِ بنَ عمرَ كان يَجْمَعُ إذا جَمَعَ الأُمَرَاءُ بين المَغْرِبِ والعِشَاءِ (٢٩). وقال هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: رأيتُ أبَانَ بن عُثمانَ يَجْمَعُ بين الصَّلَاتَيْنِ في اللَّيْلَةِ المَطِيرَةِ؛ المَغْرِبِ والعِشَاءِ، فَيُصَلِّيهما معه عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وأبو سَلَمَةَ بن عبدِ الرحمنِ، وأبو بكرِ بن عبدِ الرحمنِ، لا يُنْكِرُونَه. ولا يُعْرَفُ لهم في عَصْرِهم مُخَالِفٌ، فكان إجْمَاعًا. رَوَاه الأثْرَمُ.

فصل: فأمَّا الجَمْعُ بين الظُّهْرِ والعَصْرِ، فغيرُ جَائِزٍ. قال الأثْرَمُ: قِيلَ لأبي


(٢٧) في أ، م: "وروى".
(٢٨) كذا ورد. والكلام من تمام الفصل السابق.
(٢٩) أخرجه الإمام مالك، في: باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر، من كتاب السفر. الموطأ ١/ ١٤٥. والبيهقي، في: باب الجمع في المطر بين الصلاتين، من كتاب الصلاة. السنن الكبرى ٣/ ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>