للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنَّ بَيْعَ المُسْلِمِ اقْتَضَى السَّلامةَ. ولأنَّ الأصْلَ السَّلامةُ، والعَيْبُ حادِثٌ أو مُخالِفٌ لِلظَّاهِرِ، فعند الإطْلاقِ يُحْمَلُ عليها، فمتى فاتَتْ فات بعضُ مُقْتَضَى العَقْدِ، فلم يَلْزَمْه أخْذُه بالعِوَضِ (٦)، وكان له الرَّدُّ، وأخْذُ الثَّمَنِ كامِلًا.

فصل: خِيَارُ الرَّدِّ بِالعَيْبِ على التَّراخِى، فمتى عَلِمَ العَيْبَ، فأَخَّرَ الرَّدَّ، لم يَبْطُلْ خِيَارُه، حتى يُوجَدَ منه ما يَدُلُّ على الرِّضا. ذَكَرَه أبو الخَطَّابِ. وذَكَرَ القاضِى شَيْئًا يَدُلُّ على أنَّ فيه رِوايَتَيْنِ؛ إحداهما، هو على التَّراخِى. والثانية، هو على الفَوْرِ. وهو مذهبُ الشَّافِعِىِّ، فمتى عَلِمَ العَيْبَ، فأخَّرَ رَدَّه مع إمْكانِهِ، بَطَلَ خِيارُه؛ لأنَّه يَدُلُّ على الرِّضَا به (٧)، فأُسْقِطَ خِيارُه، كالتَّصَرُّفِ فيه. ولَنا، أنَّه خِيارٌ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مُتَحَقَّقٍ، فكان على التَّراخِى، كالقِصاصِ، ولا نُسَلِّمُ دَلالَةَ الإمْساكِ على الرِّضا به.

الفصل الثالث، أنَّه لا يَخْلُو المَبِيعُ من أنْ يكونَ بحالِه، فإنَّه يَرُدُّه ويَأْخُذُ رَأْسَ مالِه، أو يكونَ قد زادَ بعد العَقْدِ، أو جُعِلَتْ له فائِدَةٌ، فذلك قِسْمانِ: أحدُهما، أنْ تكونَ الزِّيادةُ مُتَّصِلَةً، كالسِّمَنِ، والكِبَرِ، والتَّعَلُّمِ، والحَمْلِ قبل الوَضْعِ، والثَّمَرَةِ قبل التَّأْبيرِ، فإنه يَرُدُّها بِنَمَائِها؛ لأنَّه يَتْبَعُ فى العُقُودِ والفُسُوخِ. القسم الثانى، أَنْ تكونَ الزِّيادةُ مُنْفَصِلَةً، وهى نَوْعانِ؛ أحدُهما، أن تكونَ الزِّيادةُ من غير عَيْنِ المَبِيعِ، كالكَسْبِ، وهو معنى قولِه: "أو اسْتَغَلَّها". يَعْنِى أخَذَ غَلَّتَها، وهى مَنافِعُها الحاصِلَةُ من جِهَتِها، كالخِدْمَةِ، والأُجْرَةِ، والكَسْبِ، وكذلك ما يُوهَبُ أو يُوصَى له به، فكلُّ ذلك لِلْمُشْتَرِى فى مُقابَلَةِ ضَمانِه؛ لَأنَّ العَبْدَ لو هَلَكَ هَلَكَ من مالِ المُشْتَرِى، وهو مَعْنَى قولِه عليه السَّلامُ: "الخَراجُ بالضَّمانِ" (٨). ولا نَعْلَمُ فى هذا خِلافًا. وقد رَوَى ابنُ ماجَه، عن هِشَامِ بن عمارٍ، عن مُسْلِمِ بن خَالِدٍ، عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عن أبيه، عن عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّه عنها، أنَّ رَجُلًا اشْتَرَى عَبْدًا،


(٦) فى م: "بالعروض".
(٧) سقط من: م.
(٨) تقدم تخريجه فى صفحة ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>