للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالإِجَارةِ، فله الخِيَارُ بين الفَسْخِ وإمْضَاءِ البَيْعِ بكلِّ الثَّمَنِ؛ لأنَّ ذلك عَيْبٌ ونَقْصٌ.

فصل: فإن اشْتَرَاها المُسْتَأْجِرُ، صَحَّ البَيْعُ أيضًا؛ لأنَّه يَصِحُّ بَيْعُها لغيرِه، فله أَوْلَى، لأنَّ العَيْنَ في يَدِه. وهل تَبْطُلُ الإِجَارةُ؟ فيه وَجْهانِ؛ أحَدُهما، لا تَبْطُلُ؛ لأنَّه مَلَكَ (٢٣) المَنْفَعةَ بِعَقْدٍ، ثم مَلَكَ الرَّقَبةَ المَسْلُوبةَ بِعَقْدٍ آخَرَ، فلم يَتَنَافَيَا، كما يَمْلِكُ الثّمَرةَ بِعَقْدٍ، ثم يَمْلِكُ الأَصْلَ بِعَقْدٍ آخَرَ. ولو أجَرَ المُوصَى له بالمَنْفَعةِ مالِكَ الرَّقَبةِ، صَحَّتِ الإِجَارَةُ، فدَلَّ على أنَّ مِلْكَ المَنْفَعةِ لا يُنَافِى العَقْدَ على الرَّقَبةِ. وكذلك لو اسْتَأْجَرَ المالِكُ العَيْنَ المُسْتَأْجَرَةَ من مُسْتَأْجِرِها، جازَ. فعلى هذا يكونُ الأجْرُ باقِيًا على المُشْتَرِى، وعليه الثمنُ، ويَجْتَمِعانِ لِلْبائعِ، كما لو كان المُشْتَرِى غيرَه. والثاني، تَبْطُلُ الإِجارةُ فيما بَقِىَ من المُدَّةِ؛ لأنَّه عَقَدَ على مَنْفعةِ العَيْنِ، فبَطَلَ مِلْكُ العاقِدِ لِلْعَيْنِ، كالنِّكاحِ، فإنَّه لو تَزَوَّجَ أمَةً، ثم اشْتَرَاها، بَطَلَ نِكَاحُه، ولأنَّ مِلْكَ الرَّقَبةِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الإِجَارَةِ، فَمنَعَ اسْتِدَامَتَها، كالنِّكَاحِ. فعلَى هذا، يَسْقُطُ عن المُشْتَرِى الأجْرُ فيما بَقِىَ من مُدَّةِ الإِجَارَةِ، كما لو بَطَلَتِ الإِجَارةُ بِتَلَفِ العَيْنِ. وإن كان المُؤْجِرُ قد قَبَضَ الأجْرَ كلَّه، حَسَبَ عليه باقِى الأجْرِ من الثّمَنِ.

فصل: وإن وَرِثَ المُسْتَأْجِرُ العَيْنَ المُسْتَأْجَرَةَ، فالحُكْمُ فيه كما لو اشْتَرَاها، في بُطْلانِ الإِجَارةِ أو بَقَائِها، إلَّا أنَّه لا فَرْقَ في الحُكْمِ بين فَسْخِ الإِجَارةِ وبَقَائِها، فلو اسْتَأْجَرَ إنْسانٌ من أبِيه دارًا، ثم ماتَ أبُوه، وخَلَفَ ابْنَيْنِ، أحدُهما هو المُسْتَأْجِرُ، فإنَّ الدَّارَ تكونُ بينهما نِصْفَيْنِ، والمُسْتَأْجِرُ أحَقُّ بها؛ لأنَّ النِّصْفَ الذي لأَخِيه الإِجَارَةُ باقِيةٌ فيه، والنِّصْفَ الذي وَرِثَه يَسْتَحِقُّه، إمَّا بحُكْمِ المِلْكِ، وإمَّا بِحُكْمِ الإِجَارَةِ، وما عليه من الأجْرِ بينهما نِصْفَيْنِ. وإن كان أبوه قد قَبَضَ الأجْرَ، لم يَرْجِعْ بشيءٍ منه على أخِيه، ولا تَرِكَةِ أبِيه، ويكونُ ما خَلَفَه أبُوه بينهما نِصْفَيْنِ؛ لأنَّه لو رَجَعَ بشيءٍ أفْضَى إلى أن يكونَ قد وَرِثَ النِّصْفَ بمَنْفَعَتِه (٢٤)، ووَرِثَ أخُوه نِصْفًا مَسْلُوبَ


(٢٣) في م: "تملك".
(٢٤) في الأصل: "بالمنفعة".

<<  <  ج: ص:  >  >>