للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولَنا، قولُ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَواهُ يُهَوِّدانِه، [أوْ يُنَصِّرانِهِ، أو] (٣) يُمَجِّسانِهِ" (٤). فمَفْهُومُه أنَّه لا يَتْبَعُ أحَدَهما؛ لانَّ الحُكْمَ مَتَى عُلِّقَ بشَيْئَيْن، لا يَثْبُتُ بأَحَدِهما، ولأنَّه يتْبَعُ سَابِيه مُنْفَرِدًا، فيتبَعُه مع أحَدِ أبوَيْه، قياسًا على ما لَوْ أسْلَمَ أحدُ الأبَوَيْن، يُحَقِّقُه أنّ كلَّ شخْصٍ غُلِّبَ حُكْمُ إسلامِه مُنْفَرِدًا غُلِّبَ مع أحدِ الأبَوَيْن، كالمسلمِ من الأبَوَيْن. الثالث، أنْ يُسْبَى مع أبَوَيْه، فإنَّه يكونُ على دينِهما. وبهذا قال أبو حنيفةَ، ومالِكٌ، والشافِعِىُّ. وقال الأوْزَاعِىُّ: يكونُ مسلمًا؛ لانَّ السَّابِىَ أحَقُّ به، لكَوْنِه ملَكَه بالسَّبْىِ، وزالَت وِلايَةُ أبَوَيْه عنه، وانْقَطَعَ مِيراثُهُما منه ومِيراثُه منهما، فكان أوْلَى به منهما. ولَنا، قولُه عليه السلام: "فَأَبوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، [أو يُنَصِّرَانِه، أوْ] (٥) يُمَجِّسانِهِ". وهما معه، ومِلْكُ السَّابِى له لا يَمْنَعُ اتِّباعَه لأَبَوَيْه، بدليلِ ما لو وُلِدَ فى مِلْكِه من عبدِه وأَمَتِه الكافِرَيْن.

فصل: وإذا سُبِىَ المُتَزَوِّجُ من الكُفَّارِ، لم يَخْلُ من ثلاثةِ أحوالٍ؛ أحدُها، أن يُسْبَى الزَّوجانِ معًا، فلا ينْفسِخُ نِكاحُهما. وبهذا قال أبو حَنِيفَةَ، والأوْزاعِىُّ. وقال مالِكٌ، والثَّوْرِيُّ، واللَّيْثُ، والشافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ: ينْفَسِخُ نِكاحُهما؛ لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (٦) والمُحْصَناتُ المُزَوَّجاتُ (٧) {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} بالسَّبْىِ، قال أبو سَعِيدٍ الخُدْرِىّ: نزلَتْ هذه الآيَةُ فى سَبْىِ أوْطاسَ (٨). وقال ابنُ عبَّاسٍ: إلَّا ذَواتِ الأَزْواجِ من المَسْبِيَّاتِ (٨). ولأنَّه اسْتَوْلَى على مَحلِّ حقِّ الكافِرِ، فزالَ مِلْكُه، كما لو سَباها وَحْدَها. ولَنا، أَنَّ الرِّقَّ مَعْنًى لا يَمْنَعُ ابتداءَ النِّكاحِ، فلا يَقْطَعُ اسْتِدامَتَه، كالعِتْقِ، والآيةُ نزلَت فى سَبايا أوْطاسَ، وكانوا أخَذُوا النِّساءَ دُونَ أزْواجِهِنَّ، وعمومُ الآيةِ مَخْصُوصٌ بالمملُوكَةِ المُزَوَّجَةِ فى دارِ الإِسلامِ،


(٣) فى أ: "وينصرانه و".
(٤) تقدم تخريجه فى: ١٢/ ٢٧٨.
(٥) فى الأصل، أ، ب: "وينصرانه و".
(٦) سورة النساء ٢٤.
(٧) فى ب: "المتزوجات".
(٨) أوطاس: واد فى ديار هوازن، كانت فيه وقعة حنين. معجم البلدان ١/ ٤٠٥. وانظر لقول أبى سعيد وقول ابن عباس ما أخرجه الطبرى فى نفسير الآية. تفسير الطبرى (المعارف) ٨/ ١٥١ - ١٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>