للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والْعَتاقِ أيضًا (١)، وهذا قولُ عَطاءٍ، وعَمْرِو بنِ دينار، وابنِ أبى نُجَيْحٍ، وإسْحاقَ، قالوا: لا حِنْثَ على النَّاسِى فى طَلاقٍ ولا غيرِه وهو ظاهِرُ مذْهَبِ الشافِعِىِّ؛ لقولِه تعالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} (٢). وقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّه تَجَاوَزَ لأُمَّتِى عَنِ الْخَطَأِ، والنِّسْيَانِ، ومَا اسْتُكْرهُوا عَلَيْهِ" (٣). ولأَنَّه غيرُ قاصِدٍ للمُخالَفَةِ، فلم يَحْدُثْ (٤)، كالنَّائِم والْمَجْنونِ. ولأنَّه أَحَدُ طرَفَى الْيَمِينِ، فاعْتُبِرَ فيه (٥) القَصْدُ، كحالَةِ الابْتِداءِ بها. وعن أحمد، رِوايَةٌ أُخْرَى، أَنَّه يحْنَثُ فى الجميعِ، وتَلْزَمُه الكَفَّارَةُ فى اليَمِينِ المُكَفَّرةِ. وهو قولُ سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، ومُجاهِدٍ، والزُّهْرِىِّ، وقَتادَةَ، ورَبِيعَةَ، ومالِك، وأصْحابِ الرَّأْى، والقولُ الثانِى للشافِعِىّ؛ لأنَّه فَعَلَ ما حَلَفَ عليه قاصِدًا لفِعْلِه، فلَزِمَه الحِنْثُ، كالذَّاكِرِ، وكما لو كانت اليَمِينُ بالطَّلاقِ والْعَتاقِ. ولَنا، على انَّ الكفَّارَةَ لا تَجبُ فى اليمينِ المُكَفَّرةِ، ما تَقَدَّمَ، ولأَنَّها تَجِبُ لرَفْعِ الإثْمِ، ولا إثْمَ على النَّاسِى. وأمَّا الطَّلاقُ والْعَتاقُ، فهو مُعَلَّقٌ بشَرْطٍ، فيقَعُ بوُجودِ شَرْطِه من غيرِ قصْدٍ. كما لو قال: أنْتِ طالِقٌ، إنْ طَلَعَت الشمسُ، أو قدِمَ الحاجُّ.

فصل: وإِنْ فَعَلَه غيرَ عالمٍ بالمَحْلُوفِ عليه، كرَجُلٍ حَلَفَ لا يُكَلِّمُ فلانًا، فسَلَّمَ عليه يَحْسَبُه أجْنَبِيًّا، أو حَلَفَ أَنَّه لا يُفارِقُ غَرِيمَه حتّى يَسْتَوْفِىَ حَقَّه، فأَعْطاهُ قَدْرَ حَقِّه، ففارَقَه ظَنًّا منه أَنَّه قد بَرَّ، فوجَدَ ما أخَذَه رَدِيئًا، أو حَلَفَ: لا بِعْتُ لزَيْدٍ ثَوْبًا. فوكَّلَ زيدٌ مَنْ يَدْفَعُه إلى مَنْ يَبِيعُه، فدَفَعَه إلى الحالِفِ، فباعَهُ من غيرِ علمِه، فهو كالنَّاسِى؛ لأنَّه غيرُ قاصِدٍ للمُخالَفَةِ، أشْبَهَ النَّاسِىَ.

فصل: والمُكْرَهُ على الفِعْلِ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْن؛ [إلى مُلْجَأٍ إليه] (٦)، مثل مَنْ يحلفُ لا


(١) سقط من: الأصل.
(٢) سورة الأحزاب ٥.
(٣) تقدم تخريجه، فى: ١/ ١٤٦.
(٤) كذا. ولعل الصواب: "يحنث".
(٥) فى الأصل: "فيها".
(٦) فى م: "أحدهما أن يلجأ إليه".

<<  <  ج: ص:  >  >>