للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}. وفسَخْتُ نكاحَكِ؛ لأنَّه حَقيقةٌ فيه، فإذا أتَى بأحدِ هذه الألْفاظِ، وقعَ من غيرِ نيَّةٍ، وما عدا هذه مثلُ: بارأْتُكِ، وأبْرَأْتُكِ، وأَبْنتُكِ. فهو كنايةٌ؛ لأنَّ الخُلْعَ أحدُ نَوْعَى الفُرْقةِ، فكان له صَرِيحٌ وكِنايةٌ، كالطَّلاقِ. وهذا قولُ الشَّافعىِّ، إلَّا أَنَّ له فى لفظِ الفَسْخِ وَجْهيْنِ، فإذا طلبتِ الخُلْعَ، وبذَلت العِوَضَ، فأجابَها بصَرِيحِ الخُلعِ أو كِنايتهِ (٧)، صحَّ من غيرِ نِيَّةٍ؛ لأنْ دَلالةَ الحالِ مِن سُؤال الخُلعِ وبذلِ العِوَض، صارفةٌ إليه، فأغْنَى عَنِ النِّيَّةِ فيه، وإن لم يكُنْ دَلالة حالٍ، فأَتَى بِصَريحِ الخُلْعِ وقعَ مِن غيرِ نِيَّةٍ، سواءٌ قُلْنا: هو فسخٌ أو طلاقٌ. ولا يقعُ بالكنايةِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِمَّن تَلْفَّظَ به منهما، ككِنَاياتِ الطَّلاقِ مع صَرِيحِه. واللَّهُ أعلمُ.

فصل: ولا يحْصُلُ الخُلْعُ بمُجَرّدِ بَذْلِ المالِ وقَبولِه (٨)، مِن غيرِ لَفْظِ الزَّوْجِ. قال القاضى: هذا الذى عليه شُيوخُنا البَغْداديُّونَ. وقد أؤمَأَ إليه أحمدُ. وذهبَ أبو حفصٍ العُكْبَرِىُّ، وابنُ شِهَابٍ، إلى وُقوعِ الفُرْقةِ بقَبُولِ الزَّوجِ للعِوَض. وأفْتَى بذلك ابنُ شِهابٍ بعُكْبَرا (٩)، واعترضَ عليه أبو الحُسَيْنِ بنُ هُرْمُزَ (١٠)، واسْتَفْتُى عليه مَن كان ببغدادَ من أصحابِنا، فقال ابنُ شهابٍ: المُخْتلِعَةُ على وَجْهيْنِ، مُسْتَبْرئَةٌ، ومُفْتَدِيَةٌ، فالمُفْتدِيَةُ هى التى تقول: لا أنا ولا أنت، ولا أبَرُّ لك قَسَمًا، وأنا أفْتَدِى نفسِى منك. فإذا قبلَ الفديةَ، وأخذَ المالَ، انْفَسخَ النِّكاحُ؛ لأنَّ إسحاقَ بنَ منصورٍ رَوَى، قال: قلتُ لأحمدَ: كيف الخُلْعُ؟ قال: إذا أخذَ المالَ، فهى فُرْقةٌ. وقال إبراهيمُ النَّخَعِىُّ: أخذُ المالِ تطليقةٌ بائنةٌ. ونحوُ ذلك عن الحسنِ. وعن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنهُ: مَن قَبلَ مالًا


(٧) فى ب، م: "وكنايته".
(٨) فى الأصل، أ، ب: "وقوله".
(٩) عكبرا: اسم بليدة من نواحى دجيل، قرب صريفين وأوانا، بينهما وبين بغداد عشرة فراسخ. معجم البلدان ٣/ ٧٠٥.
(١٠) أبو الحسين محمد بن هرمز العكبرى القاضى، كانت له رياسة وجلالة، توفى سنة أربع وعشرين وأربعمائة. طبقات الحنابلة ٢/ ١٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>