للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على فِرَاقٍ، فهى تَطْليقةٌ بائنةٌ، لا رَجْعةَ له (١١) فيها. واحتجَّ بقَوْلِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لجميلةَ: "أَتَرُدِّيْنَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ " قالتْ: نعم، ففرَّقَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما. وقال: "خُذْ مَا أَعْطَيْتَهَا، وَلَا تَزْدَدْ" (١٢)، ولم يَسْتَدْعِ مِنْهُ لَفْظًا. ولأنَّ دَلالةَ الحالِ تُغْنِى عن اللَّفْظِ؛ بدليلِ ما لو دفَعَ ثَوْبَه إلى قَصَّارٍ أو خيَّاطٍ مَعْروفَيْنِ بذلك، فعَمِلاه، اسْتَحقَّا الأَجْرَ (١٣)، وإن لم يشْتَرِطا عِوَضًا. ولَنا، أَنَّ هذا أحدُ نَوْعَى الخُلْعِ، فلم يصحَّ بدونِ اللَّفظِ، كما لو سألتْه أن يُطَلِّقَها بعِوَضٍ، ولأنَّه تَصرُّفٌ فى البُضْعِ بِعِوَضٍ، فلم يصحَّ بدُونِ اللَّفظِ، كالنِّكاحِ والطَّلاقِ، ولأنَّ أخْذَ المالِ قَبْضٌ لِعِوَضٍ، فلم يقُمْ بمُجَرَّدِه مَقامَ الإِيجابِ، كقَبضِ أحدِ العِوَضيْنِ فى البيعِ، ولأنَّ الخُلْعَ إن كان طلاقًا، فلا يقعُ بدون صَرِيحِه أو كِنايَتِه، وان كان فَسْخًا فهو أحدُ طَرَفَيْ عَقْدِ النِّكاحِ، فيُعتبَرُ فيه اللَّفظُ، كابتداءِ العَقدِ. وأمَّا حديثُ جَمِيلةَ، فقد روَاه البُخارىُّ: "اقْبَلِ الحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيْقَةً" (١٤). وهذا صريحٌ فى اعتبارِ اللَّفظِ. وفى رِوَايةٍ: فأمرَه ففارَقَها. ومَن لم يذكرِ الفُرْقةَ، فإنَّما اقْتَصرَ على بعض القِصَّةِ، بدليلِ روايةِ مَن رَوَى الفُرْقةَ والطَّلاقَ، فإنَّ القصَّةَ واحدةٌ، والزِّيادةُ مِنَ الثِّقَةِ مقبولةٌ، ويدلُّ على ذلك أنَّه قال: ففرَّقَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما، وقال: "خُذْ مَا أَعْطَيْتَهَا". فجعلَ التَّفْريقَ قَبْلَ العِوَضِ، ونسَبَ التَّفْريقَ إلى النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومعلومٌ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يُباشِرُ التَّفْريقَ، فدلَّ على أن النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرَ به، ولعلَّ الرَّاوِىَ اسْتَغْنَى بذكْرِ العِوَضِ عن ذكْرِ اللَّفظِ؛ لأنَّه معلومٌ منه. وعلى هذا يُحْمَلُ كلامُ أحمدَ وغيرِه مِنَ الأئمَّةِ، ولذلك لم يذْكرُوا مِن جانبِها لفظًا ولا دلالةَ حالٍ، ولا بُدَّ منه اتِّفاقًا.


(١١) فى ب، م: "لها".
(١٢) تقدم تخريجه فى صفحة ٢٦٧.
(١٣) فى ب، م: "الأجرة".
(١٤) تقدم تخريجه فى صفحة ٢٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>