للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقد جاءَ عن ابن عباسٍ، قال: مَرَّ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بامْرَأَةٍ مَقْتولَةٍ يومَ الخَنْدَقِ، فقال: "مَنْ قَتَلَ هذِهِ؟ " قال رجُلٌ: أنا يا رَسُولَ اللَّه. قال: "ولِمَ؟ " قال: نازَعَتْنِى قائِمَ سيْفِى. قال (٢): فسَكَتَ (٣). ولأَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وقَفَ على امْرأةٍ مَقْتُولةٍ، فقال: "مَا بَالُهَا قُتِلَتْ، وَهِىَ لَا تُقاتِلُ" (٤). وهذا يدُلُّ على أنَّه إنَّما نَهَى عن قَتْلِ المرْأَةِ إذا لم تُقاتِلْ، ولأنَّ هؤلاء إنَّما لم يُقْتَلُوا لأنَّهم فى العادَةِ لا يُقاتِلُون.

فصل: فأمَّا المريضُ، فيُقْتَلُ إذا كان ممَّن لو كان صحيحًا قاتَلَ، لأَنَّه بمنزِلَةِ الإِجْهازِ على الجريحِ، إلَّا أَنْ يكونَ مَأْيُوسًا من بُرْئِه، فيكونُ بمنزِلَةِ الزَّمِنِ، لا يُقْتَلُ؛ لأنَّه لا يُخافُ منه أن يصيرَ إلى حالٍ يُقاتِلُ فيها.

فصل: فأَمَّا الفَلَّاحُ الذى لا يُقاتِلُ، فيَنْبَغِى أَنْ لا يُقْتَلَ، لما رُوِىَ عن عمرَ بن الخَطَّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: اتَّقُوا اللَّه فى الفَلَّاحين، الذين لا يَنْصِبُونَ لكم الحَرْبَ (٥). وقال الأَوْزَاعِىُّ: لا يُقْتَلُ الحَرّاثُ، إذا عُلِمَ أنَّه ليس من المُقاتِلَةِ. وقال الشافِعِىُّ: يُقْتَلُ، إلَّا أَنْ يُؤَدِّىَ الجِزْيَةَ؛ لدُخولِه فى عُمومِ المشركين. ولَنا، قَوْلُ عمرَ، وأَنَّ أَصْحابَ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَقْتُلُوهم حِينَ فَتَحُوا البلادَ، ولأَنَّهُم لا يُقاتِلُون، فأشْبَهُوا الشُّيُوخَ والرُّهْبانَ.

فصل: إذا حاصَرَ الإِمامُ حِصْنًا، لزِمَتْه مُصابَرَتُه (٦)، ولا يَنْصَرِفُ عنه إلَّا بخَصْلَةٍ من خِصَالٍ خَمْسٍ، أحدُها، أَنْ يُسْلِمُوا، فيُحْرِزُوا بالإِسلامِ دماءَهم وأموالَهم؛ لقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُمِرْتُ أَنْ أقاتِلَ النَّاسَ حتّى يَقُولُوا: لَا إِلهَ إلَّا اللَّهُ. فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّى


(٢) سقط من: الأصل.
(٣) أخرجه الإِمام أحمد، فى: المسند ١/ ٢٥٦. وعبد الرزاق، فى: باب عقر الشجر بأرض العدو، من كتاب الجهاد. المصنف ٥/ ٢٠١، ٢٠٢. وابن أبى شيبة، فى: باب ما يمتنع به من القتل. . .، من كتاب الجهاد. المصنف ١٢/ ٣٨٤، ٣٨٥.
(٤) تقدم تخريجه، فى صفحة ١٧٨.
(٥) أخرجه البيهقى، فى: باب ترك قتل من لا قتال فيه. . .، من كتاب السير. السنن الكبرى ٩/ ٩١. وسعيد بن منصور، فى: باب ما جاء فى قتل النساء والولدان، من كتاب الجهاد. السنن ٢/ ٢٣٩.
(٦) فى أ: "مصايرتهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>