للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَفْعَلَ ما أمَرَهُ بفِعْلِه؛ لأنَّ الذين وَكَّلَهُم النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُنْقَلْ عنهم سِوَى امْتِثَال أَمْرِه. ولأنَّه إِذْنٌ في التَّصَرُّفِ، فجازَ القَبُولُ فيه بالفِعْلِ، كأَكْلِ الطَّعَامِ. ويجوزُ القَبُولُ على الفَوْرِ والتَّرَاخِى، نحو أن يَبْلُغَهُ أن رَجُلًا وَكَّلَهُ في بَيْعِ شيءٍ منذ سَنَةٍ، فيَبِيعَه. أو يقولَ: قَبِلْتُ. أو يَأْمُره بفِعْلِ شَىءٍ، فيَفْعَلُه بعد مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ؛ لأنَّ قَبُولَ وُكَلَاءِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لوَكَالَتِه كان بِفِعْلِهم، وكان مُتَرَاخِيًا عن تَوْكِيلِه إيَّاهم. ولأنَّه إِذْنٌ في التَّصَرُّفِ، والإِذْنُ قائِمٌ، ما لم يَرْجِعْ عنه، فأشْبَه الإِبَاحَةَ. وهذا كلُّه مذهبُ الشَّافِعِىِّ.

فصل: ويجوزُ تَعْلِيقُها على شَرْطٍ، نحو قوله: إذا قَدِمَ الحاجُّ فَبِعْ هذا الطَّعَامَ. وإذا جَاءَ الشِّتَاءُ فاشْتَرِ لنا فَحْمًا. وإذا جاءَ الأَضْحَى فاشْتَرِ لنا أُضْحِيَّةً. وإذا طَلَبَ منك أهْلِى شَيْئًا فَادْفَعْهُ إليهم. وإذا دَخَلَ رَمَضَانُ فقد وَكَّلْتُكَ في كذا (٢٢)، أو فأنتَ وَكِيلِى. وبهذا قال أبو حنيفةَ. وقال الشّافِعِىُّ: لا يَصِحُّ، لكن إن تَصَرَّفَ صَحَّ تَصَرُّفُه؛ لِوُجُودِ الإِذْنِ، وإن كان وَكِيلًا بِجُعْلٍ فَسَدَ المُسَمَّى، وله أجْرُ المِثْلِ؛ لأنَّه عَقْدٌ يَمْلِكُ به التَّصَرُّفَ في الحيَاةِ، فأشْبَه البَيْعَ. ولَنا، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أَمِيرُكُم زَيْدٌ، فإن قُتِلَ فجَعْفَرٌ، فإن قُتِلَ فعبدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ" (٢٣). وهذا في مَعْناه. ولأنَّه عَقْدٌ اعْتُبِرَ في حَقِّ الوَكِيلِ (٢٤) حُكْمُهُ، وهو إِبَاحَةُ التَّصَرُّفِ وصِحَّتُه، فكان صَحِيحًا، كما لو قال: أنْتَ وَكِيلِى في بَيْعِ عَبْدِى إذا قَدِمَ الحاجُّ. ولأنَّه لو قال: وَكَّلْتُكَ في شِرَاءِ كذا، في وَقْتِ كذا. صَحَّ بلا خِلَافٍ، ومَحلُّ النِّزَاعِ في مَعْناه. ولأنَّه إِذْنٌ في التَّصَرُّفِ، أشْبَهَ الوَصِيَّةَ والتَّأْمِيرَ. ولأنَّه عَقْدٌ يَصِحُّ بغيرِ جُعْلٍ، ولا يَخْتَصُّ فاعِلُه بكَوْنِه من أهْلِ القُرْبَةِ، فصَحَّ بالجُعْلِ، كالتَّوْكِيلِ الناجِزِ.

فصل: ويجوزُ التَّوْكِيلُ بِجُعْلٍ وبغيرِ (٢٥) جُعْلٍ؛ فإنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَكَّلَ أُنَيْسًا في إقَامَةِ


(٢٢) في م: "هذا".
(٢٣) أخرجه البخاري، في: باب غزوة مؤتة من أرض الشام، من كتاب المغازى. صحيح البخاري ٥/ ١٨٢. والإِمام أحمد، في: المسند ١/ ٢٠٤، ٢٥٦، ٥/ ٣٠٠.
(٢٤) سقط من: الأصل، أ، ب.
(٢٥) في أ، ب، م: "وغير".

<<  <  ج: ص:  >  >>