القاضي: يُصَلِّى؛ لأنَّه لم يَذْهَبْ وَقْتُ الانْتِفاعِ بِنُورِهِ وضَوْئِه. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يُصَلِّىَ؛ لأنَّ ما يُصَلِّى له قد غاب، أَشْبَهَ ما لو غابَتِ الشَّمْسُ. وإن فَرَغَ من الصلاةِ والكُسُوفُ قَائِمٌ لم يَزِدْ، واشْتَغَلَ بالذِّكْرِ والدُّعَاءِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَزِدْ على رَكْعَتَيْنِ.
فصل: وإذا اجْتَمَعَ صلاتانِ، كالكُسُوفِ مع غيرِه من الجُمُعَةِ، أو العِيدِ، أو صلاةٍ مَكْتُوَبةٍ، أو الوِتْرِ، بَدَأ بأخْوَفِهما فَوْتًا، فإن خِيفَ فَوْتُهما بَدَأَ بالصلاةِ الوَاجِبَةِ، وإن لم يَكُنْ فيهما (٢٩) وَاجِبَةٌ كالكُسُوفِ والوِتْرِ أو التَّرَاوِيحِ، بَدَأ بآكَدِهما، كالكُسُوفِ والوِتْرِ، بَدَأَ بالكُسُوفِ؛ لأنَّه آكَدُ، ولهذا تُسَنُّ له الجَماعَةُ، ولأنَّ الوِتْرَ يُقْضَى، وصلاةُ الكُسُوفِ لا تُقْضَى. فإن اجْتَمَعَتِ التَّرَاوِيحُ والكُسُوفُ، فبأَيِّهِما يَبْدَأُ؟ فيه وَجْهانِ. هذا قولُ أصْحابِنَا. والصَّحِيحُ عندى أنَّ الصَّلَوَاتِ الوَاجِبِةَ التي تُصَلَّى في الجَمَاعَةِ مُقَدَّمَةٌ على الكُسُوفِ بكلِّ حالٍ؛ لأنَّ تَقْدِيمَ الكُسُوفِ عليها يُفْضِى إلى المَشَقَّةِ، لإِلْزَامِ الحَاضِرِينَ بِفِعْلِها مع كَوْنِها ليست وَاجِبَةً عليهم، وانْتِظَارِهم لِلصلاةِ الوَاجِبَةِ، مع أنَّ فيهم الضَّعِيفَ والكَبِيرَ وذَا الحاجَةِ. وقد أمَرَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِتَخْفِيفِ الصلاةِ الوَاجِبَةِ، كَيْلا يَشُقَّ على المَأْمُومِينَ، فإلْحَاقُ المَشَقَّةِ بهذه الصلاةِ الطَّوِيلَةِ الشَّاقّةِ، مع أنَّها غيرُ وَاجِبَةٍ، أوْلَى، وكذلك الحُكْمُ إذا اجْتَمَعَتْ مع التَّرَاوِيحِ، قُدِّمَت التَّرَاوِيحُ لذلك، وإن اجْتَمَعَتْ مع الوِتْرِ في أَوَّل وَقْتِ الوَتْرِ، قُدِّمَتْ؛ لأنَّ الوِتْرَ لا يَفُوتُ، وإن خِيفَ فَوَاتُ الوَتْرِ قُدِّمَ؛ لأنَّه يَسِيرٌ يُمْكِنُ فِعْلُه وإدْرَاكُ وَقْتِ الكُسُوفِ، وإن لم يَبْقَ إلَّا قَدْرُ الوِتْرِ، فلا حاجَةَ بالتَّلَبُّسِ بِصلاةِ الكُسُوفِ؛ لأنَّها إنَّما تَقَعُ في وَقْتِ النَّهْىِ. وإن اجْتَمَعَ الكُسُوفُ وصلاةُ الجِنازَةِ، قُدِّمَت الجِنازَةُ وَجْهًا واحِدًا؛ لأن المَيِّتَ يُخافُ عليه، واللهُ أعلمُ.