للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكومةٌ؛ لأنَّها جِنايةٌ أزالتْ جَمالَه ومَنْفعتُه، فأشْبَهَه ما لو خاطَ جُرْحَه بخَيْطٍ، فالْتحَمَ، [فقطَع إنْسانٌ] (٣١) الخيطَ، فانْفَتحَ الجُرْحُ، وزالَ الْتِحامُه. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يجبَ شيءٌ؛ لأنَّه أزالَ ما ليس مِن بَدَنِه، أشْبَهَ ما لو قلَعَ الأنْفَ الذَّهبَ الذي جعلَه المَجْدُوعُ مكانَ أنْفِه.

فصل: وإنْ جَنَى على سِنِّه فسوَّدَها، فحُكىَ عن أحمدَ، رحمَه اللهُ، في ذلك روايتانِ؛ إحداهما، تجبُ دِيَتُها كاملةً. وهو ظاهرُ كلامِ الْخِرَقىِّ. ويُرْوَى هذا عن زيدِ بن ثابتٍ (٣٢). وبه قال سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، والحسنُ، وابنُ سِيرِينَ، وشُرَيْحٌ، والزُّهْرِىُّ، وعبدُ الملكِ بنِ مَرْوانَ، والنَّخعِىُّ، ومالكٌ، واللَّيْثُ، وعبدُ العزيزِ بنُ أبى سَلَمةَ، والثَّوْرِىُّ، وأَصْحابُ الرَّأْىِ. وهو أحَدُ قَوْلَىِ الشَّافعىِّ. والروايةُ الثانيةُ، عن أحمدَ، أنَّه إنْ أذْهَبَ مَنْفَعتَها مِن المَضْغِ عليها ونحوِه، ففيها دِيَتُها، وإن لم يُذْهِبْ نَفْعَها، ففيها حُكومةٌ. وهذا قولُ القاضي، والقولُ الثَّانى للشافعىِّ، وهو المختارُ عنْدَ أصحابِه؛ لأنَّه لم يذْهَبْ بمَنْفَعتِها، فلم تَكْمُلْ دِيَتُها، كما لو اصْفَرَّتْ. ولَنا، أنَّه قولُ زيدِ بنِ ثابتٍ، ولم يُعْرفْ له مُخالِفٌ فِي الصَّحابةِ، فكان إجْماعًا، ولأنَّه أذْهبَ الجمالَ على الكمالِ، فكَمَلَتْ دِيَتُها، كما لو قَطَعَ أُذُنَ الأصَمِّ وأنْفَ الأخْشَمِ. فأمَّا إنْ اصفرَّتْ أو احْمَرَّتْ، لم تكْمُلْ دِيَتُها؛ لأنَّه لم يُذْهِبْ الجمالَ على الكمالِ، وفيها حُكومةٌ. وإن اخْضَرَّتْ، احْتَمَلَ أنْ يكونَ كتَسْوِيدِها؛ لأنَّه يَذْهَبُ بجمالِها، واحْتَمَلَ أن لا يجبَ فيها إلَّا حُكومةٌ؛ لأنَّ ذَهابَ جَمالِها بتَسْوِيدِها أكثرُ، فلم يَلْحَقْ به غيرُه، كما لو حَمَّرها. فعلى قولِ مَنْ أوْجَبَ دِيَتَها، متى قُلِعتْ بعدَ تَسْويدِها، ففيها ثُلُثُ دِيَتِها أو حكومةٌ، على ما سنذكرُه فيما بعدُ، وعلى قولِ مَن لم يُوجِبْ فِيها إلَّا حُكومةً، يجبُ في قَلْعِها دِيَتُها، كما لو صَفَّرَها.


(٣١) في الأصل، م: "فقلع أسنان".
(٣٢) أخرجه عبد الرزاق، في: باب صدع السن، من كتاب العقول. المصنف ٩/ ٣٤٨. وابن أبي شيبة، في: باب السن إذا أصيبت فاسودت، من كتاب الديات. المصنف ٩/ ٢٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>