للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه. وللشَّافِعِىَّ قولانِ كالمذهبَيْنِ، وقولٌ ثالِثٌ، إنْ كانتِ البَيْنُونَةُ بالثَّلاثِ، لم يَعُدِ الظِّهارُ، وإلَّا عادَ. وبَناه على الأقَاوِيلِ فى عَوْدِ صِفَةِ الطَّلاقِ فى النِّكاحِ الثَّانِى. ولنا، عُمُومُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}. وهذا قد ظاهَرَ منِ امرأتِه، فلا يَحِلُّ أَنْ يتماسَّا حتَّى يُكَفَّرَ، ولأنَّه (٧) ظاهَرَ مِن امرأتِه، فلا يَحِلُّ له مَسُّها قَبلَ التَّكْفِيرِ، كالتى لم يُطَلَّقْها، ولأنَّ الظَّهارَ يمينٌ مُكَفَّرَةٌ، فلم يَبْطُلْ حُكْمُها بالطَّلاقِ، كالإِيلاءِ.

الفصل الثَّالثُ: أَنَّ العَوْدَ هو الوَطْءُ، فمتى وَطِئَ لَزِمَتْه الكفَّارَةُ، ولا تَجِبُ قَبلَ ذلك، إلَّا أنَّها شَرْطٌ لحِلٌ الوَطْءِ، فيُؤْمَرُ بها مَنْ أرادَه لِيَسْتَحِلَّه بها، كما يُؤْمَرُ بِعَقْدِ النِّكاحِ مَنْ أراد حِلَّ المَرْأَةِ. وحُكِىَ نَحوُ ذلك عنِ الحسنِ، والزُّهْرِىِّ. وهو قولُ أبى حَنِيفَةَ. إلَّا أنَّه لا يُوجِبُ الكفَّارَةَ على مَنْ وَطِئَ، وهى عندَه فى حقِّ مَنْ وَطِئَ كَمَنْ لا يَطَأُ. وقال القاضى وأَصحابُه: العَوْدُ العَزْمُ على الوَطْءِ. إلَّا أنَّهم لم يُوجِبُوا الكَفَّارةَ على العازِمِ على الوَطْءِ، إذا مات أحَدُهما أو طَلَّقَ قبلَ الوَطْءِ، إلَّا أبا الخطَّابِ، فإنَّه قال: إذا ماتَ بَعْدَ العَزْمِ، أو طَلَّقَ، فعليه الكفَّارةُ. وهذا قَوْلُ مالكٍ، وأبى عُبَيْدٍ. وقد أنْكَرَ أحمدُ هذا، فقال: مالِكٌ يقولُ: إذا أجْمَعَ لَزِمَتْه الكفَّارةُ. فكيف يكونُ هذا! إذا (٨) طَلَّقَها بَعْدَ ما يُجْمِعُ كان عليه كفَّارةٌ! إلَّا أَنْ يكونَ يَذْهَبُ إلى قَوْلِ طاوُسٍ: إذا تَكَلَّمَ بالظَّهارِ لَزِمَه مِثْلُ الطَّلاق. ولم يُعْجِبْ أحمدَ قَوْلُ طاوُسٍ. وقال أحمدُ، فى قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا}. قال: العَوْدُ (٩) الغِشْيانُ، إذا أرادَ أَنْ يَغْشَى كَفَّرَ. واحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلى هذا بقولِه تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}. فأوْجَبَ الكفَّارةَ بعدَ العَوْدِ قبلَ التَّماسَّ، وما يَحْرُمُ (١٠) قبلَ الكفَّارةِ، لا يجوزُ كونُه مُتَقَدِّمًا عليها، ولأنَّه قَصَدَ بالظَّهارِ تحريمَها، فالعَزْمُ على وَطْئِها عَوْدٌ فيما قَصَدَه (١١)،


(٧) فى الأصل زيادة: "قد".
(٨) فى أ، م: "لو". وفى ب: "أو".
(٩) سقط من: الأصل، أ، ب.
(١٠) فى م: "حرم".
(١١) فى أ، ب، م: "قصد".

<<  <  ج: ص:  >  >>