للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأَرْشِ، فإن اقْتُصَّ منه تَعَيَّنَ الأَرْشُ، وهو قِسْطُ قِيمَتِه ما بَيْنَه جانِيًا وغيرَ جانٍ، ولا يَبْطُلُ البَيْعُ من أصْلِه. وبهذا قال أصْحابُ الشَّافِعِيِّ. وقال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِيُّ: يَرْجِعُ بجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لأنَّ تَلَفَه كان بمعنًى اسْتُحِقَّ عندَ البائِعِ، فجَرَى مَجْرَى إتْلافِه إيَّاه. ولَنا، أنَّه تَلِفَ عند المُشْتَرِى بالعَيْبِ الذى كان فيه، فلم يُوجِبِ الرُّجُوعَ بجَمِيعِ الثَّمَنِ، كما لو كان مَرِيضًا، فماتَ بِدائِه، أو مُرْتَدًّا، فَقُتِلَ برِدَّتِه، وما ذَكَرُوه مُنْتَقِضٌ بما ذَكَرْناه، ولا يَصِحُّ قِياسُهُم على إتْلافِه؛ لأنَّه لم يُتْلِفْه، فما اشْتَرَكا في المُقْتَضِى. ولو كانت الجِنايَةُ مُوجِبَةً لِقَطْعِ يَدِه، فَقُطِعَتْ عند المُشتَرِى، فقد تَعَيَّبَ في يَدِه؛ لأنَّ اسْتِحْقاقَ القَطْعِ دونَ حَقِيقَتِه، فهل يَمْنَعُ ذلك رَدَّه بِعَيْبِه؛ على رِوايَتَيْنِ. ومتى اشْتَراه عالِمًا بِعَيْبِه، لم يكُنْ له رَدُّه؛ ولا أرْشٌ، كسائِرِ المَعِيباتِ، وهذا قولُ الشَّافِعِيِّ.

فصل: وحُكْمُ المُرْتَدِّ حُكْمُ القاتِلِ، في صِحَّةِ بَيْعِه، وسائِرِ أحْكامِه المَذْكُورَةِ فيه، فإنَّ قَتْلَهُ غيرُ مُتَحَتَّمٍ؛ لاحْتِمالِ رُجُوْعِه إلى الإِسْلامِ. وكذلك القاتِلُ في المُحارَبَةِ إذا تابَ قبل القُدْرَةِ عليه، فإن لم يَتُبْ حتى قُدِرَ عليه، فقال أبو الخَطَّابِ: هو كالقاتِلِ في غيرِ مُحارَبَةٍ؛ لأنَّه عَبْدٌ قِنٌّ، يَصِحُّ إعْتَاقُه، ويَمْلِكُ اسْتِخْدَامَه، فصَحَّ بَيْعُه، كغير القاتِلِ، ولأنَّه يُمْكِنُه الانْتِفَاعُ به إلى حالِ قَتْلِه، ويَعْتِقُه فيَنْجُزُ (٤) به وَلاءُ أَولَاده، فجازَ بَيْعُه، كالمَرِيضِ المَأْيُوسِ من بُرْئِه. وقال القاضي: لا يَصِحُّ بَيْعُه؛ لأنَّه تَحَتَّمَ قَتْلُه وإتْلافُه وإذْهابُ مالِيَّتِه، وحَرُمَ إبْقاؤُه، فصارَ بمَنْزِلَةِ ما لا نَفْعَ فيه من الحَشَراتِ والمَيْتاتِ، وهذه المَنْفَعَةُ اليَسِيرَةُ مُفْضِيَةٌ به إلى قَتْلِه لا يَتَمهَّدُ بها مَحلًّا لِلْبَيْعِ، كالمَنْفَعَةِ الحاصِلَةِ من المَيْتَةِ؛ لِسَدِّ بَثْقٍ (٥)، أو إطْعامِ كَلْبٍ، والأَوَّلُ أصَحُّ، فإنَّه كان مَحلًّا لِلْبَيْعِ، والأصْلُ بَقاءُ ذلك فيه، وانْحِتامُ إتْلافِه


(٤) في م: "فينجن".
(٥) البثق: موضع انبثاق الماء من نهر ونحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>