للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفَسْخِ بِالتَّحالُفِ، وهذا قَوْلُ مَالِكٍ، والشَّافِعِىِّ. ولنا، أنَّه حَقُّ فَسْخٍ لا يَجُوزُ الاعْتِياضُ عنه؛ فلم يُورَثْ كخِيارِ الرُّجُوعِ فى الهِبَةِ.

٧٠٢ - مسألة؛ قال: (وَإذَا تفَرَّقَا مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ لَمْ يَكُنْ لأحَدِهِمَا رَدُّهُ إلَّا بِعَيْبٍ أو خِيارٍ)

لا خِلافَ فى أنَّ البَيْعَ يَلْزَمُ بعدَ التَّفَرُّقِ، ما لم يَكُنْ سَبَبٌ يَقْتَضِى جَوازَهُ، وقد دَلَّ عليه قولُ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَإنْ تَفَرَّقَا بعدَ أن تَبَايَعَا ولم يَتْرُكْ أحَدُهُمَا البَيْعَ فقد وَجَبَ البَيْعُ" (١)، وقولُه: "البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا" (٢). جَعَلَ التَّفَرُّقَ غايَةً لِلْخِيارِ. وما بعد الغايَةِ يَجِبُ أن يَكُونَ مُخالِفًا لِمَا قَبْلَها، إلَّا أن يَجِدَ بِالسِّلْعَةِ عَيْبًا فَيَرُدَّها به، أو يَكُونَ قد شَرَطَ الخِيارَ لِنَفْسِه مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَيَمْلِكُ الرَّدَّ أيضًا. ولا خِلافَ بين أهْلِ العِلْمِ فى ثُبُوتِ الرَّدِّ بِهَذَيْنِ الأمْرَيْنِ. وقد قال النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "المُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ". اسْتَشْهَدَ به البُخارِىُّ (٣). وفى مَعْنَى العَيْبِ أن يُدَلِّسَ (٤) المَبِيعَ بما يَخْتَلِفُ به الثَّمَنُ، أو يَشْتَرِطَ فى المَبِيعِ صِفَةً يَخْتَلِفُ بها الثَّمَنُ، فيَتَبَيَّنُ بخِلافِه، فيَثْبُتُ له الخِيارُ أيضًا. ويَقْرُبُ منه ما لو أخْبَرَهُ فى المُرابَحَةِ فى الثَّمَنِ أنَّه حَالٌّ، فبَانَ مُؤَجَّلًا، ونحوُ هذا، ونَذْكُرُ هذا فى مَواضِعِهِ.

فصل: ولو ألْحَقَا فى العَقْدِ خِيارًا بعدَ لُزُومِهِ لم يَلْحَقْهُ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ وأصْحابُه: يَلْحَقُه؛ لأنَّ لهما فَسْخَ العَقْدِ، فكان لهما إلْحاقُ الخِيارِ به كحَالَةِ المَجْلِسِ. ولنا، أنَّه عَقْدٌ لازِمٌ فلم يَصِرْ جائِزًا بِقَوْلِهما، كَالنِّكاحِ. وفارَقَ حالَ المَجْلِسِ؛ لأنَّه جائِزٌ.


(١) تقدم تخريجه فى صفحة ١٠.
(٢) تقدم تخريجه فى صفحة ٦.
(٣) فى: باب أجر السمسرة، من كتاب الإجارة. صحيح البخارى ٣/ ١٢٠.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى الصلح، من كتاب الأقضية. سنن أبى داود ٢/ ٢٧٣.
(٤) فى: الأصل "تدليس".

<<  <  ج: ص:  >  >>