للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَيِّتُ الضَّامِنَ، فَاسْتَوْفَى الغَرِيمُ الدَّيْنَ (٥٨) من تَرِكَتِه، لم يكُنْ لِوَرَثَتِه مُطَالَبَةُ المَضْمُونِ عنه حتى يَحِلَّ الحَقُّ؛ لأنَّه مُؤَجَّلٌ عليه، فلا يسْتَحِقُّ مُطَالَبتَه به (٥٩) قبل أجَلِه. وهذا مذهبُ الشَّافِعِىِّ. وحُكِىَ عن زُفَرَ أنَّ لهم مُطَالَبَتَهُ؛ لأنَّه أَدْخَلَه في ذلك مع عِلْمِه أنَّه يَحِلُّ بمَوْتِهِ. ولَنا، أنَّه دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، فلا تجوزُ مُطالَبَتُه به قبلَ الأجَلِ, [كما لو لم يَمُتْ. وقوله: أَدْخَلَهُ فيه. قُلْنا: إنَّما أَدْخَلَهُ في المُؤَجَّلِ، وحُلُولُه بِسَبَبٍ من جِهَتِه، فهو] (٦٠) كما لو قَضَى قبلَ الأَجَلِ.

٨٢٣ - مسألة؛ قال: (وَلَا يَبْرَأُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ الضَّامِنِ)

يعني أنَّ المَضْمُونَ عنه لا يَبْرَأُ بِنَفْسِ الضَّمَانِ، كما يَبْرَأُ المُحِيلُ بِنَفْسِ الحَوَالَةِ قبلَ القَبْضِ، بل يَثْبُتُ الحَقُّ في ذِمَّةِ الضَّامِنِ، مع بَقائِه في ذِمَّةِ المَضْمُونِ عنه، ولِصاحِبِ الحَقِّ مُطَالَبَةُ من شاءَ منهما في الحَيَاةِ وبعدَ المَوْتِ. وبهذا قال الثَّوْرِىُّ، والشَّافِعِىُّ، وإسْحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال أبو ثَوْرٍ: الكَفَالَةُ والحَوَالَةُ سواءٌ، وكِلَاهما يَنْقُلُ الحَقَّ عن ذِمَّةِ المَضْمُونِ عنه والمُحِيلِ. وحُكِىَ ذلك عن ابن أبي لَيْلَى، وابن شُبْرُمَةَ، ودَاوُدَ، واحْتَجُّوا بما رَوَى أبو سَعِيدٍ الخُدْرِىُّ قال: كُنَّا مع النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في جِنَازَةٍ، فلمَّا وُضِعَتْ، قال: "هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ مِنْ دَيْنٍ؟ " قالوا: نعم، دِرْهَمَانِ. فقال: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ". فقال عَلِىٌّ: هما عَلَىَّ يا رسولَ اللَّه، وأنا لهما ضَامِنٌ. فقام رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فصَلَّى عليه، ثم أَقْبَلَ على عَلِىٍّ فقال: "جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا عَنِ الإِسْلَامِ، وَفَكَّ رِهَانَكَ كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ". فقيل: يا رسولَ اللَّه، هذا لِعَلِىٍّ خَاصَّةً، أم للنّاسِ عَامَّةً؟ فقال: "لِلنّاسِ عَامَّةً". رَوَاهُ


(٥٨) سقط من: الأصل، أ، ب.
(٥٩) سقط من: الأصل، م.
(٦٠) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>