للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: والشُّرُوطُ في المُضارَبةِ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ؛ صَحِيحٌ، وفَاسِدٌ، فالصَّحِيحُ مثلُ أن يَشْتَرِطَ على العامِلِ أن لا يُسافِرَ بالمالِ، أو أن يُسَافِرَ به، أو لا يَتَّجِرَ إلَّا في بَلَدٍ بِعَيْنِه، أو نَوْعٍ بِعَيْنِه، أو لا يَشْتَرِىَ إلَّا من رَجُلٍ بِعَيْنِه. فهذا كلُّه صَحِيحٌ، سواءٌ كان (٢) النَّوْعُ ممَّا يَعُمُّ وُجُودُه، أو لا يَعُمُّ، أو الرَّجُلُ (٣) ممَّن يكْثُرُ عندَه المَتاعُ أو يَقِلُّ. وبهذا قال أبو حنيفةَ. وقال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ: إذا شَرَطَ أن لا يَشْتَرِىَ إلَّا من رَجُلٍ بِعَيْنِه، أو سِلْعَةٍ بعَيْنِها، أو ما لا يَعُمُّ وُجُودُه، كالياقُوتِ الأَحْمَرِ، والخَيْلِ البُلْقِ (٤)، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه يَمْنَعُ مَقْصُودَ المُضارَبةِ، وهو التَّقْلِيبُ (٥) وطَلَبُ الرِّبْحِ، فلم يَصِحَّ، كما لو اشْتَرَطَ أن لا يَبِيعَ ويَشْتَرِىَ إلَّا من فُلَانٍ، أو أن لا يَبِيعَ إلَّا بمثلِ ما اشْتَرَى به. ولَنا، أنَّها مُضارَبةٌ خاصَّة، لا تَمْنَعُ الرِّبْحَ بالكُلِّيَّةِ، فصَحَّتْ، كما لو شَرَطَ أن لا يَتَّجِرَ إلَّا في نَوْعٍ يَعُمُّ وُجُودُه، ولأنَّه عَقْدٌ يَصِحُّ تَخْصِيصُه بِنَوْعٍ، فصَحَّ تَخْصِيصُه في رَجُلٍ بعَيْنِه، وسِلْعَةٍ بِعَيْنِها، كالوَكَالَةِ. وقولُهم: إنَّه يَمْنَعُ المَقْصُودَ. مَمْنُوعٌ، وإنَّما يُقَلِّلهُ، وتَقْلِيلُه لا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، كتَخْصِيصِه بالنَّوْعِ. ويُفَارِقُ ما إذا شَرَطَ أن لا يَبِيعَ إلَّا بِرأْسِ المالِ، فإنَّه يَمْنَعُ الرِّبْحَ بالكُلِّيَّةِ وكذلك إذا قال: لا تَبِعْ إلا من فُلانٍ، ولا تَشْتَرِ إلَّا من فُلَانٍ. فإنَّه يَمْنَعُ الرِّبْحَ أيضًا؛ لأنَّه لا يَشْتَرِى ما بَاعَهُ إلَّا بدون ثَمَنِه الذي بَاعَهُ به. ولهذا لو قال: لا تَبِعْ إلَّا ممَّن اشْتَرَيْتَ منه. لم يَصِحَّ؛ لذلك (٦).

فصل: ويَصِحُّ تَأْقِيتُ المُضارَبةِ، مثلُ أن يقولَ: ضَارَبْتُكَ على هذه الدَّرَاهِم سَنَةً، فإذا انْقَضَتْ فلا تَبِعْ، ولا تَشْتَرِ. قال مُهَنَّا: سَأَلْتُ أحمدَ عن رَجُلٍ أعْطَى رَجُلًا ألْفًا مُضَارَبَةً شَهْرًا، قال: إذا مَضَى شَهْرٌ يكون قَرْضًا. قال: لا بَأْسَ به. قلتُ: فإن جاءَ


(٢) في م زيادة: "هذا".
(٣) في أ، م: "والرجل".
(٤) الأبلق من الخيل: ما فيه سواد وبياض.
(٥) في الأصل: "التقلب".
(٦) في أ: "كذلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>