للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُخلِّفُ تَرِكةً فلا تصِلُ إليه، فلا يَلْزمُه الإيفاءُ منه، فإن لم يُحْسِنِ المُدَّعِى تحريرَ الدَّعوَى، فهل للحاكِمِ أن يُلَقِّنَه تحْريرَها؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْن؛ أحدُهما، يجوزُ؛ لأنَّه لا ضَررَ على صاحبِه فى ذلك. والثانى، لا يَجوزُ؛ لأنَّ فيه إعانةَ أحدِ الخَصْمَينِ فى حُكومَتِه.

فصل: إذا حرَّرَ المُدَّعِى دَعْواه، فللحاكمِ أن يسْألَ خَصْمَه الجوابَ قبلَ أن يَطلُبَ منه المُدَّعِى ذلك؛ لأنَّ شاهدَ الحالِ يَدلُّ عليه؛ لأنَّ إحْضارَه والدَّعوَى إنَّما يُرادُ لِيَسْألَ الحاكمُ المُدَّعَى عليه، فقد أغْنَى ذلك عن سُؤالِه، فيقولُ لخَصْمِه: ما تقولُ فيما يدَّعيه؟ فإن أقَرَّ لَزِمَه، وليس للحاكمِ أن يَحْكُمَ عليه إلَّا بمَسْألةِ المُقَرِّ له؛ لأنَّ الحُكْمَ عليه حقٌّ له، فلا يَسْتَوْفِيه إلَّا بمسألةٍ مُسْتحَقَّةٍ، هكذا ذكرَ أصْحابُنا. ويَحْتَمِلُ أن يجوزَ له الحكمُ عليه قبلَ مَسألةِ المُدَّعِى؛ لأنَّ الحالَ تدُلُّ على إرادتِه ذلك، فاكْتُفِىَ بها، كما اكْتُفِىَ بها فى مَسْألةِ المُدَّعَى عليه الجوابَ، ولأنَّ كثيرًا من الناس لا يَعْرفُ مُطالَبةَ الحاكِم بذلك، فيَتْرُكُ مُطالبتَه به لجَهْلِه، فيَضيعُ حقُّه، فعلى هذا يجوزُ له الحكمُ قبلَ مَسْألتِه. وعلى القولِ الأوَّلِ، إن سألَه الخَصْمُ فقال: احْكُمْ لى. حكمَ عليه، والحُكْمُ أن يقولَ: قد ألْزَمْتُك ذلك، أو قضيْتُ عليك له. أو يقولَ: اخْرُجْ له منه. فمتى قال له أحدَ هذه الثَّلاثةِ، كان حُكْمًا بالحقِّ، وإن أنكرَ فقال: لا حقَّ لك قِبَلى. فهذا مَوْضِعُ البَيِّنةِ، قال الحاكمُ: ألكَ بَيِّنَةٌ؟ لما رُوِىَ أنَّ رَجلَيْن اخْتصَما إلَى النَّبىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ حَضْرَمِىٌّ وكِنْدىٌّ، فقال الحَضْرَمىُّ: يا رسولَ اللَّه، إنَّ هذا غلبَنى على أَرضٍ لى. فقال الكِنْدِىُّ: هى أرْضِى، وفى يَدِى، فلَيس (٤٥) له فيها حقٌّ. فقال النَّبىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للحَضْرَمِىِّ: "أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ " قال: لا. قال: "فَلَكَ يَمِينُهُ" (٤٦). وهو حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وإن كان المُدَّعِى عارِفًا بأنَّه مَوْضِعُ البَيِّنَةِ، فالحاكمُ مُخيَّرٌ بين أنْ يقولَ: ألك بيِّنةٌ؟ وبين أن يسْكُتَ، فإذا قال له: ألكَ بَيِّنَةٌ؟ فذكرَ أنَّ له بَيِّنَةً حاضِرةً، لم يقُلْ له الحاكم: أحضِرْها. لأنَّ ذلك حقٌّ له، [فله أنْ] (٤٧) يفْعلَ ما يرَى. وإذا أحْضَرَها لم يَسألْها الحاكمُ عمَّا عندَها حتى يسْألَه المُدَّعِى ذلك؛


(٤٥) فى م: "وليس".
(٤٦) تقدم تخريجه، فى: صفحة ٣٢.
(٤٧) سقط من: الأصل. وفى ب: "له أن".

<<  <  ج: ص:  >  >>