للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإن أعْتَقَ حَرْبِىٌّ حَرْبِيًّا، فله عليه الولاءُ؛ لأنَّ الوَلاءَ مُشَبَّهٌ بالنَّسَبِ، والنسبُ ثابِتٌ بين أهل الحَرْبِ، فكذلك الْوَلاءُ. وهذا قولُ عامَّةِ أهلِ العلمِ، إلَّا أهلَ العراقِ، فإنَّهم قالوا: العِتْقُ فى دارِ الحَرْبِ والكِتَابةُ والتَّدْبيرُ لا يَصِحُّ، ولو اسْتَولدَ أمَتَه، لم تَصرْ أُمَّ وَلَدٍ، مُسْلِمًا كان السيدُ أو ذِمِّيًّا أو حَرْبِيًّا. ولَنا، أَنَّ مِلْكَهُم ثابتٌ، بدَلِيلِ قولِ اللَّه تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} (٢٠) فَنَسَبها إليهم، فصَحَّ عِتْقُهُم كأهلِ الإِسلامِ، وإذا صَحَّ عِتْقُهم ثَبَتَ الولاءُ لهم؛ لقولِ النَّبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الوَلَاءُ لِمَنْ أعْتَقَ". فإن جاءَنا المُعْتَقُ مُسْلِمًا، فالوَلاءُ بحالِه. فإن سُبِىَ مَوْلَى النِّعْمةِ، لم يَرِثْ ما دام عبدًا، فإن أُعْتِقَ، فعليه الوَلاءُ لمُعْتِقِه، وله الوَلَاءُ على مُعْتَقِه. وهل يَثْبُتُ لمُعْتِقِ السَّيِّد وَلاءٌ على مُعْتَقِه؟ يَحْتَمِلُ أن يَثْبُتَ؛ لأنَّه مَوْلَى مَوْلاه. ويَحْتَمِلُ أن لا يَثْبُتَ؛ لأنَّه ما حَصَلَ منه إنْعامٌ عليه ولا سَبَبٌ لذلك. فإن كان الذى اشْتراه مَوْلاهُ فأَعْتَقَه، فكلُّ واحدٍ منهما مَوْلَى صاحِبِه يَرِثُه بالوَلاءِ. وإن أسَرَه مَوْلاهُ فأَعْتَقَه، فكذلك. وإن أسَرَهُ مَوْلاهُ وأجْنَبِىٌّ فأعْتَقاه، فولاؤُه بينهما نِصْفَيْنِ. فإن مات بعدَه المُعْتِقُ الأوَّلُ، فلِشَرِيكِه نصفُ مالِه؛ لأنَّه مَوْلَى نِصْفِ مَوْلاهُ على أحدِ الاحْتِمالَينِ. والآخَر لا شىءَ له؛ لأنَّه لم يُنْعِمْ عليه. وإن سُبِىَ المُعْتَقُ فاشْتَراهُ رجلٌ، فأعْتَقَه، بَطَلَ وَلاءُ الأوَّلِ وصار الوَلاءُ للثانى. وبهذا قال مالكٌ، والشافعىُّ. وقيل: الولاءُ بينهما. واختاره ابنُ المُنْذِرِ؛ لأنَّه ليس أحَدُهما أَوْلَى من الآخَرِ. وقيل: الولاءُ للأوَّلِ؛ لأنَّه أسْبَقُ. ولَنا، أَنَّ السَّبْىَ يُبْطِلُ مِلْكَ الأوَّلِ الحَرْبىِّ، فالولاءُ التَّابِعُ له أَوْلَى، ولأنَّ الولاءَ بَطَلَ باسْتِرْقاقِه، فلم يَعُدْ بإعْتاقِه. وإن أعْتَقَ ذِمِّىٌّ عَبْدًا كافِرًا، فهَرَبَ إلى دارِ الحَرْبِ فاسْتُرِقَّ، فالحُكْمُ فيهَ كالحُكْمِ فيما إذا أعْتَقَه الحربىُّ سَواءً. وإن أعْتَقَ مسلمٌ كافِرًا، فهَرَبَ إلى دارِ الحربِ، ثم سَبَاهُ المسلمون، فذَكَرَ أبو بكرٍ والقاضِى، أنَّه لا يجوزُ اسْتِرْقاقُه. وهو قولُ الشافعىِّ؛ لأنَّ فى اسْتِرْقاقِه إبْطالَ ولاءِ المسلمِ المَعْصُوم. قال ابن


(٢٠) سورة الأحزاب ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>