للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من جِنْسِه، فأمَّا بغيرِ جِنْسِه، فلا بَأْسَ به، لِتَصْرِيحِ أحمدَ بِجَوَازِه. وقال مالِكٌ، في إجَارَةِ الحَلْىِ والثِّيابِ: (١٥) هو من المُشْتَبِهَاتِ. ولعلَّه يَذْهَبُ إلى أنَّ المَقْصُودَ بذلك الزِّينَةُ، وليس ذلك من المَقَاصِدِ الأصْلِيّةِ. ومن مَنَعَ ذلك بأجْرٍ من جِنْسِه، فقد احْتَجَّ له بأنَّها تَحْتَكُّ بالاسْتِعْمالِ، فيَذْهَبُ منها أجْزَاءٌ وإن كانت يَسِيرَةً، فيَحْصُلُ الأجْرُ في مُقَابَلَتِها، ومُقَابَلَةِ الانْتِفَاعِ بها، فَيُفْضِى إلى بَيْعِ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وشىءٍ آخَرَ. ولَنا، أنَّها عَيْنٌ يُنْتَفَعُ بها مَنْفَعةً مُبَاحةَ مَقْصُودةً، مع بَقَاءِ عَيْنِها، فأشْبَهَتْ سائِرَ ما تجوزُ إجَارَتُه، والزِّينَةُ من المقَاصِدِ الأصْلِيّةِ؛ فإنَّ اللهَ تعالى امْتَنَّ بها علينا بقولِه تعالى: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} (١٦). وقال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} (١٧). وأبَاحَ اللهُ تعالى من التَّحَلِّى واللِّبَاسِ لِلنِّسَاءِ ما حَرَّمَهُ على الرِّجَالِ، لِحَاجَتِهِنَّ إلى التَزَيُّنِ للأَزْواجِ، وأسْقَطَ الزَّكاةَ عن حَلْيِهِنَّ مَعُونةً لهُنَّ على اقْتِنائِه. وما ذَكَرُوه من نَقْصِها بالاحْتِكاكِ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ ذلك يَسِيرٌ، لا يُقَابَلُ بعِوَضٍ، ولا يَكادُ يَظْهَرُ في وَزْنٍ، ولو ظَهَرَ فالأجْرُ في مُقَابَلَةِ الانْتِفاعِ، لا في مُقَابَلَةِ الأَجْزَاءِ؛ لأنَّ الأجْرَ في الإِجَارةِ، إنَّما هو عِوَضُ المَنْفَعةِ، كما في سائِرِ المَوَاضِعِ، ولو كان في مُقَابَلةِ الجُزْءِ الذّاهِبِ (١٨)، لَما جازَ إجَارَةُ أحَدِ النَّقْدَيْنِ بالآخَرِ؛ لإِفْضَائِه إلى الفَرْقِ (١٩) في مُعَاوَضَةِ أحَدِهِما بالآخَرِ قبلَ القَبضِ. واللَّه أعلم.

فصل: وتجوزُ إجَارَةُ الدَّرَاهِمِ والدَّنَانِيرِ، لِلوَزْنِ والتَّحَلِّي، في مُدَّةٍ مَعْلُومةٍ. وبه قال أبو حنيفةَ. وهو أحدُ الوَجْهَيْنِ لأصْحابِ الشافِعِيِّ، والوَجْهُ الآخَرُ، أنَّها لا تجوزُ إجَارَتُها؛ لأنَّ هذه المَنْفَعةَ ليست المقْصُودةَ (٢٠) منها، ولذلك لا تُضْمَنُ مَنْفَعَتُها بِغَصْبِها، فأشْبَهَتِ الشَّمْعَ. ولَنا، أنَّها عَيْنٌ أمكنَ الانْتِفَاعُ بها مع بَقَاءِ عَيْنِها مَنْفَعةً


(١٥) في م زيادة: "ما".
(١٦) سورة النحل ٨.
(١٧) سورة الأعراف ٣٢.
(١٨) في الأصل: "الزائد".
(١٩) في الأصل: "التفرق".
(٢٠) في ب، م: "المقصود".

<<  <  ج: ص:  >  >>