للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يَجِدْ مُخْبِرًا، فَفَرْضُه الصلاةُ إلى جِهَةٍ يُؤَدِّيه اجْتِهَادُهُ إليها. فإنْ خَفِيَتْ عليهِ الأَدِلَّةُ لِغَيْمٍ أوْ ظُلْمَةٍ، تَحَرَّى فَصَلَّى، والصلاةُ صَحِيحَةٌ؛ لما نَذْكُرُهُ مِن الأحادِيثِ، ولأنَّهُ بَذَلَ وُسْعَهُ في مَعْرِفَةِ الحَقِّ، مع عِلْمِهِ بأدِلَّتِها (٢١)، فأشْبَهَ الحَاكِمَ والعَالِمَ إذا خَفِيَتْ عليه النُّصُوصُ.

فصل: إذا صَلَّى بالاجْتِهَادِ إلى جِهَةٍ، ثم أرادَ صلاةً أخرى، لَزِمَهُ إعادةُ الاجْتِهَادِ، كالحَاكِمِ إذا اجْتَهَدَ في حادِثَةٍ، ثم حدث مثلُها، لَزِمَهُ إعادةُ الاجْتِهَادِ. وهذا مَذْهَبُ الشافعىِّ. فإنْ تغيَّر اجْتِهَادُه، عَمِلَ بالثَّانِى، ولم يُعِدْ ما صَلَّى بالأَوَّلِ، [كما أنَّ الحاكمَ لو تَغَيَّرَ اجْتِهَادُه] (٢٢) عَمِلَ بالثَّانى في الحَادِثَةِ الثَّانِيَة، ولم يَنْقُضْ حُكْمَهُ الأوَّلَ. وهذا لا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا. وإن (٢٣) تَغَيَّرَ اجْتِهَادُه في الصلاةِ، اسْتَدَارَ إلى الجِهَةِ الثَّانِيَةِ، وبَنَى على ما مَضَى مِنْ صلاتِهِ. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوَايَةِ الجَمَاعَةِ. وقالَ ابن أبِى موسى، والآمِدِىُّ: لا يَنْتَقِلُ، ويمْضِى على اجْتِهَادِهِ الأَوَّل؛ لِئلَّا يَنْقُضَ الاجْتهادَ بالاجْتِهَادِ. ولَنا، أنَّه مُجْتَهِدٌ أدَّاهُ اجْتِهَادُه إلى جِهَةٍ، فلم يجُزْ له الصَّلَاةُ إلى غيرِها، كما لو أرادَ صلاةً أُخْرَى، ولأنَّه أدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلى غير هذه الجِهَةِ، فلم يَجُزْ له الصلاةُ إليها، كَسَائِرِ مَحَالِّ الوِفَاقِ، وليس هذا نَقْضًا للاجْتِهَادِ، وإنَّمَا يَعْمَلُ به في المُسْتقْبَلِ، كما في الصلاةِ الأُخْرَى، وإنَّما يكونُ نَقْضًا للاجْتِهَادِ أنْ لو ألْزَمْنَاه إعَادَةَ ما مَضَى مِنْ صلاتِه، ولم نَعْتَدَّ له به، فإنْ لم يَبْقَ اجْتِهَادُهُ وظَنُّهُ إلى الجِهَةِ الأُولَى، ولم يُؤَدِّه اجْتِهَادُه إلى الجِهَةِ الأُخْرَى، فإنَّه يبْنِى على ما مضَى مِنْ صلاتِه؛ لأنَّه لم يَظْهَرْ لَهُ جهَةٌ أُخْرى يَتَوَجَّهُ إليها. وإنْ بانَ له يَقِينُ الخطإِ في الصلاةِ، بِمُشَاهَدَةٍ أو خَبَرٍ عن يَقِينٍ، اسْتَدَارَ إلى جهةِ الصَّوابِ، وبَنَى، كأهلِ قُبَاءَ لَمَّا أُخْبِرُوا بتَحْوِيلِ القِبْلَةِ اسْتَدَارُوا إليها وبَنَوْا (٢٤). وإنْ شَكَّ فِي اجْتِهَادِه لم يَزُلْ عن جِهَتِهِ؛ لأنَّ الاجْتِهادَ


(٢١) في م: "بأدلته". والضمير يعود على القبلة.
(٢٢) في: م: "كما لو تغير اجتهاد الحاكم".
(٢٣) في م: "فإن".
(٢٤) انظر ما تقدم في صفحة ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>