للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيكونُ إجْماعًا، ولأنَّ الواجِبَ فيه قِيمةٌ تَخْتَلِفُ باخْتلافِ صِفاتِه، فلم تَحْمِلْه العاقلةُ، كسائرِ القِيَمِ، ولأنَّه (٢) حَيَوانٌ لا تَحْمِلُ العاقلةُ قِيمةَ أطْرافِه، فلم تَحْمِل الواجِبَ في نَفْسِه، كالفَرَسِ. وبهذا فارَقَ الحُرَّ (٣).

المسألة الثانية: أنَّها لا تَحْمِلُ العَمْدَ، سواءٌ كان ممَّا يَجِبُ القِصاصُ فيه، أو لا يَجِبُ. ولا خِلافَ في أنَّها لا تَحْمِلُ دِيَةَ ما يَجِبُ فيه القِصاصُ، وأكثرُ أهْلِ العلمِ على أنَّها لا تَحْمِلُ العَمْدَ بكلِّ حالٍ. وحُكِىَ عن مالكٍ، أنَّها تَحْمِلُ الجِناياتِ التي لا قِصاصَ فيها، كالمأْمُومةِ والجائِفَةِ. وهذا قولُ قَتادةَ؛ لأنَّها جِنايةٌ لا قِصاصَ فيها، فأشْبَهَتْ (٤) جِنَايةَ الخَطَإِ. ولَنا، حديثُ ابنِ عباسٍ، ولأنَّها جِنايةُ عَمْدٍ، فلا تَحْمِلُها العاقِلةُ، كالمُوجِبَةِ (٥) للقِصاصِ، وجِنَايَةِ الأَبِ على ابْنِه، ولأنَّ حَمْلَ (٦) العاقلةِ إنَّما يَثْبُتُ في الخَطَإِ، لِكَوْنِ الجانِي مَعْذُورًا، تَخْفيفًا عنه، ومُواساةً له، والعامِدُ غيرُ مَعْذُورٍ، فلا يَسْتَحِقُّ التَّخْفيفَ ولا المُعَاوَنةَ، فلم يُوجَدْ فيه المُقْتَضِى. وبهذا فارَقَ العَمْدُ الخطأَ. ثم يَبْطُلُ ما ذكَرُوه بقَتْلِ الأبِ ابْنَه، فإنَّه لا قِصاصَ فيه، ولا تَحْمِلُه العاقِلةُ.

فصل: وإن اقْتَصَّ بحَدِيدةٍ مَسْمُومةٍ، فسَرَى إلى النَّفْسِ، ففيه وَجْهان؛ أحدهما، تَحْمِلُه العاقِلَةُ؛ لأنَّه (٧) ليس بعَمْدٍ مَحْضٍ، أشْبَهَ عَمْدَ الخَطَإِ. والثانى، لا تَحْمِلُه؛ لأنَّه قَتَلَه بآلةٍ يَقْتُلُ مثلُها غالِبًا، فأشْبَهَ مَنْ لا قِصَاصَ له. ولو وَكَّلَ في (٦) اسْتِيفاءِ القِصاصِ، ثم عَفَا عنه، فقَتَلَه الوَكِيلُ من غيرِ عِلْمٍ بعَفْوِه، فقال القاضي: لا تَحْمِلُه العاقِلَةُ؛ لأنَّه عَمَدَ قَتْلَه. وقال أبو الخطَّابِ: تَحْمِلُه العاقلةُ (٨)؛ لأنَّه لم يَقْصِد الجِنايةَ، ومثلُ هذا يُعَدُّ خَطأً، بدليلِ ما لو قَتَلَ في دارِ الحَرْبِ (٦) مُسْلِمًا يَظُنُّه


(٢) سقطت الواو من: ب.
(٣) في ب: "التحريم".
(٤) في م: "أشبهت".
(٥) في م: "كالموجب".
(٦) سقط من: م.
(٧) في م: "لأن".
(٨) سقط من: الأصل، ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>