للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه، مسلمًا كان أو كافرًا؛ لأنَّه مِثْلُه، فلا يجوزُ أَنْ يَقِىَ (٩) نَفْسَه بإتْلافِه. وهذا لا خِلافَ فيه. وإِنْ كان مُباحَ الدَّمِ، كالحَرْبِىِّ والمُرْتَدِّ، فذكرَ القاضِى أَنَّ له (١٠) قَتْلَه وأَكْلَه؛ لأنَّ قَتْلَه مُباحٌ. وهكذا قال أصحابُ الشافِعِىّ؛ لأنَّه لا حُرْمَةَ له، فهو بمَنْزلَةِ السِّباعِ. وإِنْ وجَدَه مَيِّتًا، أُبيحَ أكلُه؛ لأنَّ أكْلَه مُباحٌ بعدَ قَتْلِه، فكذلك بعدَ مَوْتِه. وإن وجدَ مَعْصومًا مَيِّتًا، لم يُبَحْ أكلُه. فى قولِ أصحابِنا. وقال الشافِعِى، وبعضُ الحَنَفِيَّةِ: يُباحُ. وهو أوْلَى؛ لأنَّ حُرْمَةَ الحَىِّ أعظمُ. وقال أبو بكرِ بنُ داودَ: أباحَ الشافِعىُّ أكْلَ لُحومِ الأنْبياءِ. واحْتَجَّ أصحابُنا بقولِ النَّبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كَسْرُ عَظْمِ المَيِّتِ، ككَسْرِ عَظْمِ الحَىِّ" (١١). واخْتارَ أبو الخَطَّابِ أَنَّ له أكلَهُ. وقال: لا حُجَّةَ فى الحديثِ ههُنا؛ لأنَّ الأَكْلَ من اللَّحْمِ لا مِنَ العَظْمِ، والمُرادُ بالحديثِ التَّشْبِيهُ فى أصلِ الحُرْمَةِ، لا فى مِقْدارِها، بدليلِ اخْتلافِهما فى الضَّمانِ والقِصاصِ ووُجوبِ صيانَةِ الحَىِّ مما لا يَجِبُ به صِيانَةُ المَيِّتِ.

١٧٤٢ - مسألة؛ قال: (فَإِنْ لَمْ يُصِبْ إِلَّا طَعَامًا لَم يَبِعْهُ مَالِكُهُ، أَخَذَهُ قَهْرًا، ليُحْيِىَ بِهِ نَفْسَهُ، وأَعْطاهُ ثَمَنَهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِصَاحِبِه مِثلُ ضَرُورَتِهِ)

وجُمْلَتُه أنَّه إذا اضْطُرَّ، فلم يجدْ إلَّا طعامًا لغيرِه، نَظَرْنا، فإنْ كان صاحِبُه مُضْطرًّا إليه، فهو أَحَقُّ به، ولم يَجُزْ لأحَدٍ أخْذُه منه؛ لأنَّه ساوَاهُ فى الضَّرورَةِ، وانْفَردَ بالمِلْكِ، فأشْبَهَ غيرَ حالِ الضَّرورَةِ، وإِنْ أخذَه منه أحدٌ فماتَ، لزِمَه ضمانُه؛ لأنَّه قَتَلَه بغيرِ حَقٍّ، وإن لم يكُنْ صاحِبُه مُضْطَرًّا إليه، لَزِمَه بَذْلُه للمُضْطرِّ؛ لأنَّه يتعلَّقُ به إحْياءُ نفْسِ آدَمِىٍّ مَعْصُومٍ، فلَزِمَه لم بَذْلُه له، كما يَلْزَمُه بذلُ منافِعِه فى إنْجائِه من الْغَرَقِ والْحَرِيقِ، فإنْ لم يفعلْ فلِلْمُضْطرِّ أخْذُه منه؛ لأنَّه مُسْتَحِقٌّ له دُونَ مالِكِه، فجازَ له أخْذُه، كغيرِ مالِهِ، فإن احْتِيجَ فى ذلك إلى قتالٍ، فلَه المُقاتَلَةُ عليه، فإنْ قُتِلَ المُضْطَرُّ فهو شهيدٌ، وعلى قاتِلِه ضَمانُه، وإِنْ آل أخذُه إلى قَتْلِ صاحِبه، فهو هَدْرٌ؛ لأنَّه ظالِمٌ بقتالِه، فأشْبَهَ الصَّائِلَ، إلَّا


(٩) فى م: "يبقى".
(١٠) سقط من: ب، م.
(١١) تقدم تخريجه، فى: ٣/ ٣٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>