للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم، كما يُقَلَّدُ فى دَعْوَى حاجَتِه. وقال (٢٧) ابن عَقِيلٍ: عندى لا يُقْبلُ قولُه (٢٨) إلَّا بِبَيِّنةٍ؛ لأنَّ الأصْلَ عدمُ الْعِيالِ، ولا تَتَعذَّرُ إقامةُ البَيِّنةِ عليه، وفارَق ما إذا ادَّعَى أنَّه لا كَسْبَ له، فإنَّه يَدَّعِى ما يُوافِقُ الأصْلَ؛ لأنَّ الأصلَ عدمُ الكَسْبِ والمالِ، وتتَعذَّرُ عليه إقامةُ البَيِّنَةِ عليه. ولو ادَّعَى الفَقْرَ مَنْ عُرِفَ بالغِنَى، لم يُقْبَلْ قولُه إلَّا بِبَيِّنَةٍ تشْهَدُ بأنَّ مالَه تَلِفَ أو نَفِدَ؛ لما رُوِىَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إلَّا لِثَلَاثَةٍ؛ رَجلٍ أصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِى الْحِجَا مِنْ قَوْمِه لَقَدْ أصَابَتْ فُلَانًا فاقةٌ، فحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، حَتَّى يُصِيبَ قِوامًا مِنْ عَيْشٍ، أو سَدادًا مِنْ عَيْشٍ" (٢٩). وهل يُعْتَبَرُ فى البَيِّنَةِ على الفَقْرِ ثلاثةٌ، أو يُكْتَفَى باثْنَيْنِ؟ فيه وَجْهان؛ أحدهما، لا يَكْفِى إلَّا ثلاثةٌ؛ لظاهرِ الخبَرِ. والثانى، يُقْبَلُ قولُ اثْنَيْنِ؛ لأنَّ قولَهما يُقْبَلُ فى الفَقْرِ بالنِّسْبةِ إلى حُقُوقِ الآدَمِيِّينَ، الْمَبْنِيّةِ على الشُّحِّ والضَّيْقِ، ففى حَقِّ اللَّهِ تعالى أوْلَى، والخبرُ إنَّما وَرَدَ فى حِلِّ المَسْألةِ، فيُقْتَصَرُ عليه. وإن لم يُعْرَفْ له مالٌ، قُبِلَ قولُه، ولم يُسْتَحْلَفْ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَسْتَحْلِف الرَّجُلينِ اللَّذَيْنِ رَآهما جَلْدَيْنِ. فإن رآهُ مُتَجَمِّلًا قَبِلَ قولَه أيضًا؛ لأنَّه لا يَلْزَمُ من ذلك الغِنَى، بدليلِ قولِ اللَّهِ تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ}. لكن يَنْبَغِى أن يُخْبِرَه أَنَّ ما يُعْطِيه من الزَّكاةِ؛ لئَلَّا يكونَ ممَّن لا تَحِلُّ له الزَّكاةُ. وإن رآه ظاهرَ المَسْكَنةِ، أعْطاه منها، ولم يَحْتَجْ (٣٠) أن يُبَيِّنَ له شَرْطَ جَوازِ الأخْذِ، ولا أَنَّ ما يَدْفَعُه إليه زَكاةٌ. قال أحمدُ، رَحِمَه اللَّه، وقد سُئِلَ عن الرجلِ يَدْفَعُ زكاتَه إلى رَجُلٍ: هل يقولُ له: هذه زكاةٌ؟ فقال: يُعْطِيه ويَسْكُتُ، ولا يُقَرِّعُه. فاكْتَفَى بظاهرِ حالِه عن سُؤَالِه وتَعْرِيفِه.

فصل: وإذا كان للرَّجُلِ بِضاعةٌ يَتَّجِرُ بها، أو ضَيْعةٌ يَسْتَغِلُّها تَكْفِيه غَلَّتُها، له


(٢٧) فى م: "قال".
(٢٨) سقط من: ب.
(٢٩) تقدم تخريجه فى: ٤/ ١١٩.
(٣٠) فى أزيادة: "إلى".

<<  <  ج: ص:  >  >>