للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك، وإن امْتَنَعُوا من القَضَاءِ، بَاعَ الحاكِمُ من التَّرِكَةِ ما يُقْضَى به الدَّيْنُ. وإِن مَاتَ مُفْلِسٌ وله غُرَمَاءُ، بعضُ دُيُونِهم مُؤَجَّلٌ، وبعضُها حَالٌّ، وقُلْنا: المُؤَجَّلُ يَحِلُّ بالمَوْتِ. تَسَاوَوْا فى التَّرِكَةِ، فَاقْتَسَمُوهَا على قَدْرِ دُيُونِهم. وإن قُلْنا: لا يَحِلُّ بالمَوْتِ. نَظَرْنَا؛ فإن وَثَّقَ الوَرَثَةُ لِصَاحِبِ المُؤَجَّلِ، اخْتَصَّ أصْحَابُ الحالِّ بالتَّرِكَةِ، وإن امْتَنَعَ الوَرَثَةُ من التَّوْثِيقِ، حَلَّ دَيْنُه، وشَارَكَ أصْحَابَ الحالِّ، لئَلَّا يُفْضِىَ إلى إسْقَاطِ دَيْنِه بالكُلِّيَّةِ.

فصل: حَكَى بعضُ أصْحَابِنَا فى مَن مَاتَ وعليه دَيْنٌ، هل يَمْنَعُ الدَّيْنُ نَقْلَ التَّرِكَةِ إلى الوَرَثَةِ؟ على رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهما، لا يَمْنَعُه؛ لِلْخَبَرِ، ولأنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بالمالِ لا يُزِيلُ المِلْكَ فى حَقِّ الجَانِى والرَّاهِنِ والمُفْلِسِ، فلم يَمْنَعْ نَقْلَه. فإن تَصَرَّفَ الوَرَثةُ فى التَّرِكَةِ بِبَيْعٍ أو غيرِه، صَحَّ تَصَرُّفُهُم، ولَزِمَهُم أدَاءُ الدَّيْنِ، فإن تَعَذَّرَ وَفَاؤُه، فُسِخَ تَصَرُّفُهم، كما لو بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَه الجانِى، أو النِّصَابَ الذى وَجَبَتْ فيه الزَّكَاةُ. والرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يَمْنَعُ نَقْلَ التَّرِكَةِ إليهم، لِقَوْلِ اللهِ تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (٥). فجَعَلَ التَّرِكَةَ لِلْوَارِثِ من بعدِ الدَّيْنِ والوَصِيَّةِ، فلا يَثْبُتُ لهم المِلْكُ قبلَهما. فعلى هذا، لو تَصَرَّفَ الوَرَثَةُ، لم يَصِحَّ تَصَرُّفُهم؛ لأنَّهم تَصَرَّفُوا فى غيرِ مِلْكِهِم، إلَّا أن يَأْذَنَ الغُرَمَاءُ لهم، وإن تَصَرَّفَ الغُرَمَاءُ، لم يَصِحَّ إلا بِإِذْنِ الوَرَثَةِ.

٨٠٤ - مسألة؛ قال: (وَكُلُّ مَا فَعَلَهُ المُفْلِسُ فِى مَالِه قَبْلَ أنْ يَقفَهُ الْحَاكِمُ، فَجَائِزٌ)

يعنى قبلَ أن يَحْجُرَ عليه الحاكِمُ. فنَبْدَأُ بِذِكْرِ سَبَبِ الحَجْرِ، فنقولُ: إذا رُفِعَ إلى الحاكِمِ رَجُلٌ عليه دَيْنٌ، فسَأَلَ غُرَمَاؤُه الحاكِمَ الحَجْرَ عليه، لم يُجِبْهم حتى تَثْبُتَ دُيُونُهم بِاعْتِرَافِه أو بِبَيِّنَةٍ، فإذا ثَبَتَتْ، نَظرَ فى مَالِه، فإن كان وَافِيًا بِدَيْنِه،


(٥) سورة النساء ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>