للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوَرَثَةُ، فإنَّهم لا يَنْتَفِعُونَ بالأَعْيَانِ، ولا يَتَصَرَّفُونَ فيها، وإن حَصَلَتْ لهم مَنْفَعَةٌ، فلا يَسْقُطُ حَظُّ المَيِّتِ وصَاحِبِ الدَّيْنِ لِمَنْفَعَةٍ لهم. ولَنا، ما ذَكَرْنَا فى المُفْلِسِ، ولأنَّ المَوْتَ ما جُعِلَ مُبْطِلًا لِلْحُقُوقِ، وإنَّما هو مِيقَاتٌ لِلْخِلَافَةِ، وعَلَامَةٌ على الوِرَاثَةِ، وقد قال النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ تَرَكَ حَقًّا أو مَالًا فَلِوَرَثَتِه" (٣). وما ذَكَرُوهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ بالمَصْلَحَةِ المُرْسَلَةِ، ولا يَشْهَدُ لها شاهِدُ الشَّرْعِ باعْتِبَارٍ، ولا خِلَافَ فى فَسَادِ هذا، فعلى هذا يَبْقَى الدَّيْنُ فى ذِمَّةِ المَيِّتِ كما كان، ويَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ مَالِه كتَعَلُّقِ حُقُوقِ الغُرَمَاءِ بمَالِ المُفْلِسِ عند الحَجْرِ عليه. فإن أحَبَّ الوَرَثَةُ أدَاءَ الدَّيْنِ، والْتِزَامَه لِلْغَرِيمِ، ويَتَصَرَّفُونَ فى المالِ، لم يكُنْ لهم ذلك، إلَّا أن يَرْضَى الغَرِيمُ أو يُوَثِّقُوا الحَقَّ بِضَمِينٍ مَلِىءٍ، أو رَهْنٍ يَثِقُ به لِوَفَاءِ حَقِّه، فإنَّهم قد لا يَكُونُوا أمْلِيَاءَ، ولم يَرْضَ بهم الغَرِيمُ، فيُؤَدِّى إلى فَوَاتِ الحَقِّ. وذَكَرَ القاضى أنَّ الحَقَّ يَنْتَقِلُ إلى ذِمَمِ الوَرَثَةِ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِم، من غير أن يُشْتَرَطَ الْتِزَامُهم له. ولا يَنْبَغِى أن يَلْزَمَ الإِنْسَانَ دَيْنٌ لم يَلْتَزِمْهُ، ولم يَتَعَاطَ سَبَبَهُ، ولو لَزِمَهُم ذلك لِمَوْتِ مَوَرِّثِهم (٤) لَلَزِمَهم وإن لم يُخْلِفْ وَفَاءً، وإن قُلْنا: إنَّ الدَّيْنَ يَحِلُّ بالمَوْتِ. فأَحَبَّ الوَرَثَةُ القَضَاءَ مِن غيرِ التَّرِكَةِ، واسْتِخْلَاصَ التَّرِكَةِ، فلهم ذلك، وإن قَضَوْا منها، فلهم


(٣) أخرجه البخارى، فى: باب الدين، من كتاب الكفالة، وفى: باب الصلاة على من ترك دينا، من كتاب الاستقراض، وفى: باب قول النبى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ترك كلا أو ضياعًا فإلى"، من كتاب النفقات، فى: باب قول النبى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ترك مالا فلأهله، و: باب ميراث الأسير، من كتاب الفرائض صحيح البخارى ٣/ ١٢٨، ١٥٥، ٧/ ٨٧، ٨/ ١٨٧، ١٩٣، ١٩٤. ومسلم، فى: باب من ترك مالا فلورثته، من كتاب الفرائض. صحيح مسلم ٣/ ١٢٣٧، ١٢٣٨. وأبو داود، فى: باب فى ميراث ذوى الأرحام، من كتاب الفرائض، وفى: باب أرزاق الذرية، من كتاب الإجارة، وفى: باب فى التشديد فى الدين، من كتاب البيوع. سنن أبى داود ٢/ ١١١، ١٢٣، ٢٢١. والترمذى، فى: باب ما جاء فى الصلاة على المديون، من أبواب الجنائز، وفى: باب ما جاء من ترك مالًا فلورثته، من أبواب الفرائض. عارضة الأحوذى ٤/ ٢٩١، ٨/ ٢٣٩. والنسائى، فى: باب الصلاة على من عليه دين، من كتاب الجنائز. المجتبى ٤/ ٥٣. وابن ماجه، فى: باب من ترك دينا أو ضياعا. . .، من كتاب الصدقات، وفى: باب ذوى الأرحام، من كتاب الفرائض. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٠٧، ٩١٥. والإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٢٩٠، ٤٥٣، ٤٥٦، ٣/ ٢٩٦، ٣٧١، ٤/ ١٣١.
(٤) فى الأصل، أ: "موروثهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>