للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين أصْحَابِ الدُّيُونِ الحالَّةِ، ويَبْقَى المُؤَجَّلُ فى الذِّمَّةِ إلى وَقْتِ حُلُولِه، فإن لم يَقْتَسِم الغُرَمَاءُ حتى حَلَّ الدَّيْنُ، شَارَكَ الغُرَمَاءَ، كما لو تَجَدَّدَ على المُفْلِسِ دَيْنٌ بِجِنَايَتِه، وإن أدْرَكَ بعضَ المالِ قبلَ قَسْمِهِ، شَارَكَهم فيه، ويَضْرِبُ فيه بِجَمِيعِ دَيْنِه، ويَضْرِبُ سَائِرُ الغُرَمَاءِ بِبَقِيَّةِ دُيُونِهِم. وإن قُلْنا: إن الدَّيْنَ يَحِلُّ. فإنَّه يَضْرِبُ مع الغُرَمَاءِ بِدَيْنِه، كغيرِه من أرْبَابِ الدُّيُونِ الحالَّةِ. فأما إن مَاتَ وعليه دُيُونٌ مُؤَجَّلَةٌ، فهل تَحِلُّ بالمَوْتِ؟ فيه رِوَايَتَانِ، إحْدَاهما، لا تَحِلُّ إذا وَثَّقَ الوَرَثَةُ. وهو قول ابن سِيرِينَ، وعبدِ اللهِ بن الحسنِ، وإسْحاقَ، وأبى عُبَيْدٍ. وقال طَاوُسٌ، وأبو بَكرِ بن محمدٍ، والزُّهْرِىُّ، وسَعْدُ (١) بن إبْراهيمَ: الدَّيْنُ إلى أجَلِه. وحُكِىَ ذلك عن الحسنِ. والرِّوَايَةُ الأُخْرَى، أنَّه يَحِلُّ بالمَوْتِ. وبه قال الشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، وسِوَارٌ، ومالِكٌ، والثَّوْرِىُّ، والشَّافِعِىُّ، وأصْحَابُ الرَّأْىِ، لأنَّه لا يَخْلُو إمَّا أن يَبْقَى فى ذِمَّةِ المَيِّتِ، أو الوَرَثَةِ، أو يَتَعَلَّقُ بالمالِ، لا يجوزُ بَقَاؤُه فى ذِمَّةِ المَيِّتِ لِخَرَابِها، وتَعَذُّرِ مُطَالَبَتِه بها، ولا ذِمَّةِ الوَرَثَةِ؛ لأنَّهم لم يَلْتَزِمُوها، ولا رَضِىَ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِذِمَمِهم، وهى مُخْتَلِفَةٌ مُتَبَايِنَةٌ، ولا يجوزُ تَعْلِيقُه على الأَعْيَانِ وتَأْجِيلُه؛ لأنَّه ضَرَرٌ بالمَيِّتِ وصَاحِبِ الدَّيْنِ، ولا نَفْعَ لِلْوَرَثَةِ فيه؛ أمَّا المَيِّتُ فلأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "المَيِّتُ مُرْتَهَنٌ بِدَيْنِه، حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ" (٢). وأمَّا صَاحِبُه فيَتَأَخَّرُ حَقُّه، وقد تَتْلَفُ العَيْنُ فيَسْقُطُ حَقُّه. وأمَّا


(١) فى النسخ: "سعيد".
وهو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهرى، كان قاضى المدينة، وكان ثقة كثير الحديث، توفى سنة خمس وعشرين ومائة. تهذيب التهذيب ٣/ ٤٦٣ - ٤٦٥. وحفيده سعد بن إبراهيم بن سعد، ثقة كان على قضاء واسط، توفى سنة إحدى ومائتين. تهذيب التهذيب ٣/ ٤٦٢، ٤٦٣.
(٢) أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء عن النبى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال نفس المؤمن معلقة. . .، من أبواب الجنائز. عارضة الأحوذى ٤/ ٢٩٧. وابن ماجه، فى: باب التشديد فى الدين، من كتاب الصدقات. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٠٦، والدارمى، فى: باب ما جاء فى التشديد فى الدين. من كتاب البيوع. سنن الدارمى ٢/ ٢٦٢. والإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٤٤٠، ٤٧٥، ٥٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>