للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذاتِ الأبِ. ورَوى الأثرمُ، عن عَدِىٍّ الكِنْدِىِّ، عن رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "الثَّيِّبُ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا، والْبِكْرُ رِضَاها صَمْتُها (١١) " (١٢). والأخبارُ فى هذا كثيرةٌ. ولأنَّ الحَياءَ عُقْلةٌ على لِسَانِها، يَمْنَعُها النُّطْقَ بالإِذْنِ، ولا تَسْتَحِى من إبَائِها وامْتِناعِها، فإذا سَكَتتْ غَلَبَ على الظَّنِّ أنَّه لرِضَاها، فاكْتُفِىَ به. وما ذكَرُوه [يُفْضِى إلى] (١٣) أن لا يكونَ صُماتُها (١٤) إذْنًا فى حَقِّ الأبِ أيضًا؛ لأَنَّهم جَعَلُوا وُجُودَه كَعَدَمِه، فيكونُ إذًا رَدًّا على النبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالكُلِّيَّةِ، واطِّراحًا للأخبارِ الصَّرِيحةِ الجَلِيَّةِ (١٥)، وخَرْقًا لإجْماعِ الأُمَّةِ الْمَرْضِيَّةِ.

فصل: فإن نَطَقتْ بالإذْنِ، فهو أبلَغُ وأتَمُّ فى الإِذْنِ من صَمْتِها، وإن بَكَتْ أو ضَحِكَتْ، فهو بمَنْزِلةِ سُكُوتِها. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: إن بَكَتْ فليس بإِذْنٍ؛ لأنَّه يَدُلُّ على الكَراهةِ (١٦)، وليس بصَمْتٍ، فيَدْخُلُ فى عُمُومِ الحديثِ. ولَنا، ما رَوَى أبو بكرٍ بإسْنادِه، عن أبى هُرَيْرَةَ، قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تُسْتَأْمَرُ الْيَتيمَةُ، فَإنْ بَكَتْ أو سَكَتَتْ فَهُوَ رِضَاهَا، وإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوازَ عَلَيْها" (١٧). ولأنَّها غيرُ (١٨) ناطِقةٍ بالامْتناعِ مع سَماعِها للاسْتِئذانِ، فكان إذْنًا منها كالصُّماتِ أو الضَّحِكِ (١٩). والبُكاءُ يَدُلُّ على فَرْطِ الحَياءِ، لا على الكَرَاهةِ، ولو كَرِهَتْ لَامْتَنعتْ، فإنَّها لا تَسْتَحِى


(١١) فى الأصل، م: "صماتها".
(١٢) وأخرجه ابن ماجه، فى: باب استئمار البكر والثيب، من كتاب النكاح. سنن ابن ماجه ١/ ٦٠٢. والبيهقى، فى: باب إذن البكر الصمت. . .، من كتاب النكاح. السنن الكبرى ٧/ ١٢٣. والإمام أحمد، فى: المسند ٤/ ١٩٢.
(١٣) فى الأصل: "يقتضى".
(١٤) فى أ، ب: "صمتها".
(١٥) فى م: "الجليلة".
(١٦) فى أ، م: "الكراهية".
(١٧) تقدم تخريجه فى صفحة ٤٠٣.
(١٨) سقط من: م.
(١٩) فى م: "والضحك".

<<  <  ج: ص:  >  >>