للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرَه القاضِى، وأبو الخَطَّاب؛ لأنَّه يُتصَوَّرُ وُجودُه، فإذا حَلَفَ عليه، انْعَقَدَت يَمِينُه، ولَزِمَتْه الكَفَّارَةُ فى الحالِ؛ لأنَّه مَأْيُوسٌ من البِرِّ فيها، فوَجَبَت الكَفَّارَةُ، كما لو حَلَفَ لَيُطَلِّقَنَّ امرأتَه فماتت. والثانى، المُسْتَحِيلُ عَقْلًا، كرَدِّ أَمْسِ، وشُرْبِ الماءِ الذى فى الكُوزِ ولا ماءَ فيه. فقال أبو الخَطَّاب: لا تَنْعَقِدُ يَمِينُه، ولا تَجِبُ بها كَفَّارَةٌ. وهو مَذْهَبُ مالِكٍ؛ لأنَّها يَمِينٌ قارَنَها ما يَحُلُّها، فلم تَنْعَقِدْ، كيَمِينِ الغَمُوس، أو يَمِينٌ على غيرِ مُتَصَوَّرٍ، فأشْبَهَتْ يَمِينَ الغَمُوسِ، وهذا لأنَّ اليَمِينَ إنَّما تنعَقِدُ على مُتَصَوَّرٍ، أو مُتَوَهَّم التَّصَوُّرِ، وليس ههُنا واحدٌ منهما. وقال القاضى: تَنْعَقِدُ مُوجِبَةً للكَفَّارَةِ فى الحالِ. وهذا قولُ أبى يوسفَ، والشافِعِىِّ؛ لأنَّه حَلَفَ على فعلِ نفْسِه فى المُسْتقْبَلِ، ولم يفْعَلْ، كما لو حَلَفَ ليطَلِّقَنَّ امرأتَه، فماتَتْ قبلَ طَلاقِها، وبالقِياسِ على المُسْتَحيلِ عادةً، ولا فَرْقَ بين أَنْ يعْلَمَ اسْتحالَتَه أو لا يَعْلَمَ، مثل أَنْ يَحْلِفَ ليَشْرَبَنَّ الماءَ الذى فى الكُوزِ ولا ماءَ فيه، فالحُكْمُ واحِدٌ فى مَن عَلِمَ أنَّه لا ماءَ فيه، ومَنْ لا يَعْلَمُ. وإِنْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فلانًا، وهو مَيِّتٌ، فهو (٣٥) كالمُسْتَحِيلِ عادةً؛ لأنَّه يُتَصوَّرُ أَنْ يُحْييَهُ اللَّهُ فيَقْتلَه، وتَنْعَقِدُ يَمِينُه على قولِ أصْحابِنا. وإِنْ حلَفَ لأقْتُلَنَّ المَيِّتَ. يعنى فى حالِ مَوْتِه، فهو مُسْتحِيلٌ عَقْلًا، فيكونُ فيه من الخلافِ ما قد ذَكَرْناه.

فصل: فإنْ قال: واللَّهِ ليَفْعَلَنّ فلانٌ كذا، أو لا يَفْعَلُ. أو حَلَفَ على حاضِرٍ، فقال: واللَّهِ لتَفْعَلَنَّ كذا. فأَحْنَثَه، ولم يَفْعَلْ، فالكَفَّارَةُ على الحالِفِ. كذا قال ابنُ عمرَ، وأهلُ المدينةِ، وعَطاءٌ، وقَتادَةُ، والأوْزَاعِىُّ، وأهلُ العراقِ، والشافِعِىُّ؛ لأنَّ الحالِفَ هو الحانِثُ، فكانت الكَفَّارَةُ عليه، كما لو كان هو الفاعِلَ لما يُحْنِثُه، ولأنَّ سبَبَ الكَفَّارَةِ إمَّا اليَمِينُ، أو (٣٦) الحِنْثُ، أو هما، وأىُّ ذلك قُدِّرَ، فهو مَوْجُودٌ فى الحالِفِ. وإِنْ قال: أسْأَلُك باللَّهِ لتَفْعَلَنّ. وأرادَ اليَمِينَ، فهى كالتى قبلَها. وإِنْ أرادَ الشَّفاعَةَ إليه باللَّهِ، فليس بيَمِينٍ، ولا كَفَّارَةَ على واحِدٍ منهما. وإِنْ قال: باللَّهِ لتَفعَلَنَّ. فهى يَمِين؛ لأَنَّه أجابَ بجوابِ القَسَمِ، إِلَّا أَنْ يَنْوِىَ ما يَصْرِفُها. وإِنْ قال: باللَّهِ أفْعَلُ. فليستْ يَمِينًا؛ لأنَّه لم يُجِبْها


(٣٥) فى ب: "وهى".
(٣٦) فى م: "وإما".

<<  <  ج: ص:  >  >>