للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِفِعْلِه. كما لو دَفَعَهُ إِنْسَانٌ. ولَنا، أنَّ فِعْلَهُ سَبَبُ تَلَفِه، ولم يَتَخَلَّلْ بينهما ما يُمْكِنُ إحَالَةُ الحُكْمِ عليه، فوَجَبَ عليه الضَّمَانُ، كما لو خَرَجَ عَقِيبَ فِعْلِه، أو مالَ قَلِيلًا قَلِيلًا، وكما لو جَرَحَ إِنْسَانًا، فأصَابَهُ الحَرُّ أو البَرْدُ، فَسَرَتِ الجِنَايَةُ فإنَّه يَضْمَنُ. وأمَّا إن دَفَعَهُ إِنْسانٌ، فإنَّ المُتَخَلِّلَ بينهما مُبَاشَرَةٌ يُمْكِنُ الإِحَالَةُ عليها، بخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. ولو كان جامِدًا، فأَدْنَى منه آخَرُ نَارًا، فأَذابَهُ فسَالَ، فالضَّمَانُ على مَن أذَابَهُ؛ لأنَّ سَبَبَهُ أخَصُّ، لِكَوْنِ التَّلَفِ يَعْقُبُهُ، فأَشْبَهَ المُنَفِّرَ مع فاتِحِ القَفَصِ. وقال بعضُ الشّافِعِيَّةِ: لا ضَمَانَ على واحدٍ منهما، كسَارِقَيْنِ نَقَّبَ أحَدُهُما، وأَخْرَجَ الآخَرُ (٤٦) المَتاعَ. وهذا فاسِدٌ؛ لأنَّ مُدْنِىَ النَّار ألْجَأَهُ إلى الخُرُوجِ، فضَمِنَه، كما لو كان واقِفًا فدَفَعَهُ. والمَسْأَلَةُ حُجَّةٌ عليه؛ فإنَّ الضَّمَانَ على مُخْرِجِ المتَاعِ من الحِرْزِ، والقَطْعُ حَدٌّ (٤٧) لا يَجِبُ إلَّا بِهَتْكِ الحِرْزِ [وأخْذِ المالِ] (٤٨) جَمِيعًا، ثم إن الحَدَّ يُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، بِخِلَافِ الضَّمَانِ. ولو أذَابَه أحَدُهُما أَوَّلًا، ثم فَتَحَ الثانِى رَأْسَه، فانْدَفَقَ، فالضَّمَانُ على الثانِى؛ لأنَّ التَّلَفَ تَعَقَّبَهُ. وإن فَتَحَ زِقًّا مُسْتَعْلِىَ الرَّأْسِ، فخَرَجَ بعضُ ما فيه، واسْتَمَرَّ خُرُوجُه قَلِيلًا قَلِيلًا، فجاءَ آخَرُ فنَكَّسَهُ، فانْدَفَقَ، فضَمَانُ ما خَرَجَ بعد التَّنْكِيسِ على المُنَكِّسِ، وما قَبْلَهُ على الفاتِحِ؛ لأنَّ فِعْلَ الثانِى أخَصُّ، كالجارِحِ والذَّابِحِ.

فصل: وإن حَلَّ رِبَاطَ سَفِينَةٍ فذَهبَتْ أو غَرِقَتْ، فعليه قِيمَتُها، سواءٌ تَعَقَّبَ فِعْلَه أو تَرَاخَى. والخِلَافُ فيها كالخِلَافِ في الطّائِرِ في القَفَصِ.

فصل: وإذا أَوْقَدَ في مِلْكِه نارًا، أو في مَوَاتٍ، فطَارَتْ شَرَارَةٌ إلى دارِ جَارِه فأَحْرَقَتْها، أو سَقَى أَرْضَه فنَزَلَ الماءُ إلى أَرْضِ جَارِه فغَرَّقَها، لم يَضْمَنْ إذا كان فَعَلَ ما جَرَتْ به العادَةُ من غيرِ تَفْرِيطٍ؛ لأنَّه غيرُ مُتَعَدٍّ، ولأنَّها سِرَايَةُ فِعْلٍ مُبَاحٍ، فلم يَضْمَنْ،


(٤٦) في الأصل، م: "آخر".
(٤٧) سقط من: الأصل.
(٤٨) في الأصل، ب: "والأخذ".

<<  <  ج: ص:  >  >>